من أين نبدأ مسيرة الإصلاح والبناء والنهضة؟ سؤال تكرر آلاف المرات على ألْسنة وعقول المخلصين من أمتنا، وهو اليوم أكثر إلحاحاً خاصة مع التطورات الحاصلة حاليا، والتي أعطت المسلمين أفراداً وجماعات وعلى اختلاف مستوياتهم الفرصة للمشاركة الإيجابية والمساهمة الفاعلة في الأوضاع العامة، ومن هنا أصبح الجواب الصحيح على سؤال: من أين نبدأ؟ جواباً الوصول إليه مهم، لأن هناك الكثير من الناس انشغلوا لأوقات طويلة في بحث وتحديد نقطة البداية ولا يزالون يخوضون الكثير من السجالات والصراعات حول تحديد نقطة البداية ولم يبدأو بعد !! أعتقد أن من الخطأ البيِّن البحث عن نقطة وحيدة للبدء بها، لأن المطلوب عمله كثير جداً، والمساحة التي يجب أن نعمل بها واسعة جداً، والرؤى في تحديد الأولويات متعددة والطاقات الراغبة متنوعة، وعليه فإن حصر نقطة البداية في أمر واحد يكاد يكون أمراً مستحيلاً، لأنه يعطل الكثير من الطاقات الفاعلة في غير نقطة البدء الوحيدة!! مما سيترتب عليه حصر العمل في مساحة محدودة جداً وبطاقات قليلة، فيما البقية الكاثرة في المساحة الواسعة تقف متفرجة تنتظر مجيء فريق نقطة البداية!! وهذا سيجعل من نهضتنا حلماً بعيد المنال. ولعل القول بتعدد نقط البداية بحسب الإمكانيات والطاقات والحاجة في دائرة التأثير للفرد والجماعة هو القول الأصلح، بشرط أن تكون نقط البداية المتنوعة متكاملة لا متعارضة، وهذا الرأي يفجر الطاقات الإيجابية لدى الجميع ويشرك الجميع في العمل المثمر والبناء بدلاً من عمل البعض وانشغال الغالبية بالتفرج أو السلبية، كما أنه يختصر الزمن حيث أن كثيراً من الأعمال تقبل التوازي لا التوالي، بل إن من الحكمة في هذا التنوع في نقط البداية أنه يحفظ للمجتمعات توازنها، فلو فرضنا أن الجميع اهتم بالتعليم وأخّرنا الرعاية الصحية مثلاً فكيف سيكون حال آلاف المرضى الفقراء؟؟ والتكامل المطلوب لهذه الأعمال هو في الأصول والأسس، فلا بد لهذه الأعمال أن تؤسس بطريقة صحيحة شرعاً وقانوناً وعلماً، وأن تكون متسقة مع حاجات مجتمعاتنا وليست من الكماليات أو متعارضة مع قيمنا الإسلامية والعربية، وتكون عندنا نفسية وعقلية منفتحة على جهود وأعمال الآخرين حين تتقاطع مجهوداتنا مع بعضنا البعض. ما أجمل ما كتبه أحد الرواد في هذا المجال: "إن الإصلاح يجب أن يعمّ كل زاوية وناحية من نواحي مجتمعنا الإسلامي، ولا يجوز أن يقتصر على جانب دون جانب، وإن الذين يملكون هذا الشمول هم الحكام لو أرادوا، وأخلصوا النية لله، وأحبوا أن تجعلهم الأمة مع سلفها الصالح المجاهد، وأما الأفراد والجماعات فإنهم لا يملكون إلا نواح ضيقة"، ولكن تكاثر وتعدد هذه النواحي الضيقة هو ما يجعلها تحقق الكثير الكثير كما هو حاصل في واقعنا اليوم، فلولا ما جعله الله من بركة في جهود الأفراد والجماعات في القضايا الثقافية والاجتماعية والاقتصادية لضجت مجتمعاتنا بمصائب لا حد لها. إن كلمة السر ومفتاح الكنز هو الإيجابية الشاملة الصحيحة، وهذا هو ما حقق للشعوب استعادة حريتها وكرامتها، فلما تضافرت الجهود الإيجابية وتكاملت على تنوعها تحقق لها ما تريد. فمن كان مهتماً بالتعليم والثقافة فليجتهد في نشر العلم والمعرفة لدى البسطاء ورفع درجة الوعي وتنمية ملكات التفكير عند المتعلمين، ومن كان من أهل التجارة والاستثمار فليطور أعماله ليوظف العاطلين ويرفع الإنتاجية العامة، ومن كان من الساسة فعليه رعاية المصلحة الحقيقية والحفاظ عليها، وعلى المحسنين رعاية الفقراء والأيتام والمساكين، وهكذا يجد الجميع له مكاناً في خدمة أمته ووطنه، لأن المطلوب كبير والمجال واسع والآن وقت الإيجابية فليقدم كلٌّ منا ما يستطيع. وهذا طبعاً لا يمنع أن يقوم البعض من ذوي الإمكانيات المعنوية والمادية من تفضيل مجال على آخر بحسب ما يرونه أهم وأنفع، لكن من لم يشاركهم رؤيتهم هل يجلس ونخسر جهده؟ هل نحاربه وننشعل بهدم جهوده وأعماله إذا توفرت فيها المواصفات السابقة؟ من المعلوم أن جمع الناس على رأي واحد في القضايا العامة الاختيارية شبه مستحيل، ولذلك نحن بين خيار التعاون والتكامل أو خيار التصادم والهدم، وإن الله عز وجل جعل للجنة ثمانية أبواب متنوعة وليس باباً واحداً، كما أنه سبحانه عدّد القربات والطاعات التي تدخل العبد الجنة، ولنتذكر أن إمرأة دخلت الجنة لأنها سقت كلباً الماء!! فلا نحقر أي عمل إيجابي مهما كان.
من أين نبدأ؟
2014/08/01
الرابط المختصر
Image