يومياً تجد نفسك في حوارات مع الآخرين وجهاً لوجه أو عبر الفضاء السايبيرى حول الأوضاع العامة، ومن المحزن أن الشباب الناشئ يعيد الوقوع في نفس الأخطاء الفكرية التي مرت بها الأجيال التي سبقتهم. فهم في الغالب يحملون نظرة سوداوية عن الواقع، وأنه لا يوجد أي بصيص نور فيه، وأنه لا يمكن وجود واقع أسوأ مما نعيش ! فهذه فلسطين والأقصى تنتهك حرماتها يومياً ولم نعد نهتم فقط بل لم تعد تتصدر قائمة الأخبار في الصحف والفضائيات، وهذه الثورة السورية تكالب الجميع عليها تقريباً وكأن دماء آلاف القتلى ستضيع هباء في صفقات دولية وإقليمية، وهذه مصر وتونس وليبيا واليمن تدور في دوامة الثورة والثورة المضادة، وعندك فاجعة أركان في بورما التى لا يلتف إليها أحد، وهاهم الحوثيون يشعلون حرب طائفية في اليمن والعرب والمسلمون والعالم يتفرجون بدون تدخل، وقائمة طويلة من الآلام والأوجاع التي تصدم الشباب المتيقظ لهموم أمته وشعبه، والتي يفاقمها احتكاكه بزملائه من الشباب اللاهى وراء السراب الذي تبثه القنوات من برامج الواقع والمواهب والمسلسلات، ولكنه على أرض الواقع لا حقيقة له، إلا انتشار المخدرات والرذيلة والأفكار الهدامة. طبعاً لاشك أن الأمة تواجه كل هذه التعقيدات والتحديات، لكن هل فعلاً الأمور سيئة ولا يوجد أسوء منها ؟ وهل فعلا نحن نتراجع ولا نتقدم ؟ أو لم نتقدم ؟ أظن هنا تأتى حماسة الشباب وقلة اطلاعهم على الماضى والتجارب والمحاولات السابقة وما تحقق من نتائج خلالها، طكما أن منهجية وسائل الإعلام في التركيز على الأخبار السلبية وطريقة عرضها تساهم كثيراً في تكوين الذهنية السوداء بل تورث الكآبة عند قطاعات عريضة من الشباب والناس. ففلسطين ضاعت ولم يكن في أهلها من هو جاهز للمقاومة والدفاع، واليوم أصبح هناك من هو جاهز للمقاومة من مشارب متنوعة مع فارق القدرة، ولكن هذا تغير لصالحنا، ولم يأت من فراغ، ولكن الشباب قد لا يتنبهون. وأيضاً حين ضاعت فلسطين كان الشعب الفلسطيني غارق في أميته، ولكنه اليوم من أحرص الشعوب على التعلم، وكان الشعب الفلسطيني مقصر في حق قرآنه وسنة نبيه، ولكنه اليوم قطع شوطاً كبيراً في طريق اتباع القرآن والسنة، ووكان الشعب الفلسطيني ينتظر الآخرين لتحريره، لكنه اليوم يقود المسيرة بنفسه، وهذه كلها مبشرات قد لا تملء عين الشباب لكنها الركائز التى تقودنا لتخرير فلسطين والأقصى. وأما الثورة السورية، فبرغم خيبة الأمل من عدم تحقق العدالة لهذا الشعب المظلوم، وتقديم المصالح الذاتية على تحقيق العدالة ونصرة المظلوم، إلا أن الثورة حررت نفوس الكثيرين من الخوف والرهبة من هذا الظلم، وأعادات للشعب هويته التي كادت أن تذوب، وفضحت محور الباطنية التي كان يتسلل خفية في شرايين المنطقة. إن هذا الجيل الذي عاصر الثورة جيل ما كان يحلم أحد بأن يتشكل وعيه بالحرية والكرامة والهوية والحق والعدل والإيمان بهذه السرعة، ومما يؤكد على ذلك النماذج المضيئة التي قدمتها الثورة للعالم، من إبراهيم القاشوش منشد الثورة إلى عبد القادر صالح (حجى مارع) قائد ثوار حلب، ومن يعرف التاريخ يعرف أن هذه التحولات لا تتم إلا بجهود ضخمة وعبر سنين متلاحقة، لكن إرادة الله صنعت هذا في 30 شهراً، فهل ينتبه الشباب ! أما ما تشهده دول الربيع العربي فهذا سنة الله في الكون، والتغيير لا يتم بالنية الصالحة وحدها، بل لابد من العمل والجهد والبذل، وهو أيضاً لا يكفى وحده بل لا بد ان يكون عملاً صحيحاً وسليماً وفي مكانه وزمانه، وإن قصرنا في ذلك فعلينا تحمل تبعات الأخطاء والتقصير، وهنا يجب أن يكون الإعتراف بالخطأ وتصحيحه هو الأصل في عملنا. وما حدث ويحدث وسيحدث إن وجد قلوب صادقة وعقول واعية وأخلاق عالية، من الجميع سيكون درساً مؤلماً، لكنه سيسهم في تعديل المسار وتصويب الرؤية وبناء فكرى جديد يوصل بلادنا لما تنشده من هوية وعدالة وكرامة وازدهار. أما مصائب الأقليات الإسلامية في بورما وأنغولا وغيرها، فهي مأسى بشعة، وظلم بين، وليست هذه أول المأسى ولا اخرها، ولكن الإيجابي هنا، أن في الماضى كانت تحدث ولا يدرى بها أحد، وتنسى من التاريخ، كما هو الحال مع الجمهوريات الإسلامية في روسيا والصين وغيرها من دول أسيا وأفريقيا. ولكن اليوم فإن المسلمين يعلمون بها ويتعاطفون معها ويحاولون بقدر استطاعتهم أفراداً ومؤسسات ودول، وأحياناً يتوقف الظلم، وأحياناً يخف، وأحياناً نفشل في نصرتهم، لكن قد تصلهم الإغاثات والإمدادات، ولو في دول الجوار، وأحياناً تظهر من جوانب المأساة جيل يحمل القضية ويؤسس المؤسسات الحقوقية والإعلامية والسياسية والعسكرية لنصرة قضيته، وذلك بسبب تعاطف المسلمين معهم وتقديم القليل من الدعم، والكثير من الدعاء. فهل يرى الشباب نقاط القوة هذه وكيف أنها تنمو مع الأيام. وأما ما يحدث في اليمن فهو قد عرى محور الباطنية والطائفية، وأثبت تواطأ الكثيرين في مواجهته عبر عدة حروب سابقة، وأكد أن الأمة حية ومتعاطفة ومتكاتفة، وأنها ترفض الظلم والطائفية والتقسيم والتفتت. إن واقع الأمة اليوم برغم ما فيه من ثغرات ونواقص ومصائب، إلا أنه أفضل حالاً في الماضي القريب، فالأمة اليوم أكثر تديناً، وأكثر تعليماً، وأكثر غنى، وأكثر وعياً، وأكثر تأثيراً، نعم لسنا في المكانة التي نحلم بها، لكننا لسنا صفراً، لسنا لا شيء، الأمة تسير للأمام ولكن أمامها كثير من المعيقات والعقبات مما يبطء سيرها، وقد يضطرها للرجوع أحيانا أو تغيير المسار، لكن محصلة المسار هو للأمام، وهكذا كانت عبر تاريخها، فأمتنا بخير عموماً وتحتاج معونتكم، لا تثبيطكم وسوداويتكم. إن ما يجب أن نحرص عليه وخاصة الشباب لنعمل على تقوية المة في مسيرتها للأمام، تجنب أخطاء الأجيال السابقة بسبب بعض الذهنيات وأنماط التفكير الخاطئة، ولعل من أهم الثغرات التي نعانى منها اليوم هو عدم تجدد مناهج التفكير والنقد عند الناشئة، وللأسف البعض يظن هذا تطاول على السابقين والكبار، وفي الحقيقة هذا التفكير نوع نقص المعرفة وخوف من المستقبل، والبعض يظن أننا نريد الإنخلاع عن الرؤية الإسلامية واتباع رؤى عقلية علمانية ومادية، وهذا محال. المطلوب هو تجديد آليات التفكير والنقد الموضوعي في الإطار الإسلامي، فإهدار الحسنات التي تحققت من الجهود السابقة لأنها ليست من صنع أيدينا أو ليست بحسب مواصفاتنا طريقة تفكير فاشلة، وتكرار التجارب الفاشلة لعدم الإطلاع على التاريخ وتجارب الاخرين طريقة تفكير فاشلة، وعدم الإهتمام بالعلوم الإجتماعية وتجدد المعارف الحديثة فيما يخص الشؤون العامة طريقة تفكير فاشلة، والإعتماد على الولاء الحزبي دون الكفاءة تكرار للبيرقراطية الحكومية الفاشلة، والعجز عن تقديم حلول عملية للتحديات الواقعية طريقة تفكير فاشلة، ورفض التعاون والإنفتاح الحقيقي على الآخرين من الإسلاميين مع مطالبة الدول بالوحدة طريقة تفكير فاشلة. فالعمل على تجاوز هذه الآليات العقلية خطوة ضرورية لنكون جزء فاعل في حل المشاكل، بدلاً من كوننا مرسخين لها أو مشاركين، وهذا يتم بالتعلم والمطالعة والبحث ومجالسة الكبار والعقلاء، وهذا سيجعل انتقال الخبرات بين الأجيال أسرع وأجدى، وسيوفر الكثير من الأوقات والطاقات المهدورة في نقاشات وجدالات لا طائل من ورائها. وختاماً وفي خطوة عملية أنصح بمطالعة كتابين مهمين في تجديد آليات التفكير والنقد الموضوعي وهما للدكتور عبد الكريم بكار: تشكيل عقلية إسلامية معاصرة، وجدد عقلك 25 مفهوماً لنتحديث الذهنية.
أمتنا بخير .. فأعينوها
2014/08/01
الرابط المختصر
Image