الإسلام خيار شعوبنا، وأساس مدنية الغرب ومستقبلنا !!

الرابط المختصر
Image
الإسلام خيار شعوبنا، وأساس مدنية الغرب ومستقبلنا !!

(1) برغم أن من القواسم المشتركة بين الأنظمة الراحلة في تونس ومصر وليبيا هو حرب وعداء العمل الإسلامي وتياراته، وإن كانت تتميز تونس وليبيا بحرب الإسلام نفسه كما كان الحال أيضاً في تركيا أتاتورك سابقاً، إلا أن الجيل الذي تربى في ظل هذه الأنظمة جاء جيلاً متديناً ويعتز بإسلامه، وكأنه يكرر قصة موسى عليه السلام حين تربى في قصر فرعون ! فقد ظهر بوضوح للمراقبين اعتزاز الشعوب في تونس ومصر وليبيا بالإسلام وهم يقومون بثورتهم، فالحرص على صلاة الجمعة والجماعة، وترديد هتافات " لا إله إلا الله " و " الله أكبر"، حتى أن إحدى المذيعات استغربت أن غالب الليبين يبدؤون مداخلاتهم بقول " بسم الله الرحمن الرحيم "، طبعاً اعتزاز الشعوب بالإسلام لا يعنى أنها تتبع للحركات الإسلامية المتنوعة، لكنه يدل على أن الإسلام هو هويتها المركزية فلا تشغلوها بهويات مصطنعة وزائفة. وحالة التدين بين الشعوب الإسلامية هو الأصل والفطرة مهما بذل الحكام، والعلمانيين بشقيهم الشيوعيين بألوانهم المختلفة أو الليبراليين والراسماليين بدرجاتهم المتفاوته، والشرق والغرب من خلفهم من جهود ومحاولات فإن وعد الله عز وجل آت " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " (التوبة 33). وهذا التدين بين شعوبنا حقيقة علمية أظهرتها العديد من الإستطلاعات الغربية منها استطلاع مركز "بيو" للأبحاث سنة 2010 و الذي كشف أن معظم المسلمين حول العالم يرغبون بدور محورى للإسلام فى الحياة السياسية، وقد جاء موقع الأردنيين في مقدمة الشعوب الراغبة بذلك. كما سبق لمؤسسة غالوب أن توصلت لنفس النتائج في استطلاعها سنة 2008، وكان من أبرز ما لفت النظر فيها رغبة أكثر من 90% من المصريين بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، ومن ثم تأتى بعض الأصوات النشاز تطالب بإلغاء المادة الثانية من الدستور المصري والتي تنص على: " الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". (2) هذا الإسلام الذي يشكل هوية شعوبنا لليوم هو الذي قدم للبشرية جمعاء المدنية في عالم السياسة، فكما يقول د.علي محمد حسين في كتابه "رقابة الأمة على الحكام": " الملاحظ في تقرير الإسلام لمبدأ الشورى أن ذلك لم يكن نتيجة لمطالبة من الناس أو ثمرة لتطورهم ولرقي الوعي السياسي والاجتماعي لديهم، فالمجتمعات في ذلك الحين كانت أبعد ما تكون عن التفكير في مبدأ الشورى أو المطالبة به، فالمجتمعات المعاصرة لظهور الإسلام كانت تعتبر حكامها آلهة أو أنصاف آلهة أو على الأقل أعمالهم مقدسة لا يجوز نقدها أو الخروج عليها، أي أنه ليس للشعوب أن تشارك بالرأي أوالنقد في حكم نفسها، وكان الوضع العادي أن ينسج الإسلام على هذا المنوال ... غير أن الشريعة الخالدة المنزلة من عند الله تأبى إلا أن تقرر مبدأ الشورى وذلك للارتفاع بمستوى الجماعة، وجعلها على مستوى النظر في المسائل العامة والمصالح الضرورية والاشتراك في الحكم، ومراقبة الحكام، وكان هذا هو الموقف طبيعياً ويتسق مع مباديء الإسلام في العدالة والحرية والمساواة ".  فالإسلام هو من منح الناس جميعاً حق المشاركة السياسية بعد أن كانت محصورة في بعض      (الكوتات)، ولذلك جاءت الآيات القرآنية تأصل أن الشورى هو سبيل المؤمنين جميعاً وفي كافة شؤونهم " وأمرهم شورى بينهم " (الشورى 38)، ولذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يشاور أطياف مختلفة من الناس ولم يحصرها بجماعة أو شخصيات أو قبائل أو رجال بل كان من هديه صلى الله عليه وسلم مشاورة الأكابر كأبو بكر الصديق وعمر ومشاورة الأنصار أو الناس جميعاً أو حتى مشاورة غلامه أسامة بن زيد كما قبل النبي صلى الله عليه وسلم مشورة زوجته أم سلمة في صلح الحديبية حين أشارت عليه أن يخرج للناس فيحلق رأسه وينحر الهدي، بعد أن تردد الناس في ذلك لشوقهم لدخول مكة هذه السنة. ولم يتوقف أمر الشورى والمشاركة السياسية والحرية والكرامة والمساواة عند حدود المسلمين، بل لقد أذهلت هذه الشوري والمشاركة السياسية شعوب العالم وخاصة شعوب أوروبا حين جاوروا المسلمين أو اختلطوا بهم في التجارة والحروب. فينقل لنا د. محمد أبو حسان وهو القانوني الأردني البارز في كتابه القيم " دور الحضارة العربية الإسلامية في تكوين الحضارة الغربية" والذي تشكر وزارة الثقافة على نشره ليكون جسراً يربط المسلمين اليوم بماضيهم المشرق ويحثهم على مواصلة طريق المستقبل بتقديم السعادة للبشرية المتعبة في زمن العولمة. ففي ص 18 يخبرنا د. أبو حسان أن بعض مرافقين الملك ريتشارد قلب الأسد في الحروب الصليبية اعتنقوا الإسلام، وخوفاً من اعتناق الباقين أسرع الملك بالرجوع إلى إنجلترا وبعد وفاته قام هؤلاء العائدين متأثرين بتعاليم الإسلام حين كانوا في بلاد الشام بوضع نص وثيقة "الماجناكارتا" وإجبار الملك جون على توقيعها سنة 1215، وأن "الماجناكارتا" تعد بمثابة الأساس لمبادئ الدستور، فيما يتعلق بحكم الملك ومحدودية نفوذه وسلطته، وكان لها دور أساسي مع أفكار جون لوك في قيام الثورات الإنجليزية والأمريكية والفرنسية، وهنا ينبه د. أبو حسان أن جون لوك هو خريج جامعة أكسفورد، والتي كانت تعد أحد مراكز نقل الحضارة الإسلامية لأوروبا. في ص 96 يحدثنا د. أبو حسان عن تأثير الفقه الإسلامي في ظهور نظرية العقد الإجتماعي على يد القديس توما الأكويني، حيث نقلها عن النظام الإسلامي الذي يقوم على "عقد الخلافة" أو بيعة الأمة للخليفة، حتى أن تلاميذ توما قرروا: " أن خروج الحاكم عن شروط العقد يجعل مركزه مجرداً من سنده القانوني ويفسخ العقد، فإن استمر رغم ذلك صار غاصباً مستبداً لا تجب طاعته"، ويعلق عليها بقوله:  هذه الأقوال ترجمة حرفية من الفقه الإسلامي، حيث قال بعض الفقهاء: " إن الإمام إذا خرج عن مقتضى العدالة انفسخ عقده، فلو عاد إلى العدالة لم يعد (إلى الحكم) إلا بعقد جديد". وقد ساهمت نظرية توما "العقد الإجتماعي" في إمداد الثورة الفرنسية بروحها وحيويتها، " فإذا عرفنا أن القديس توما الإكويني بعد أن تخرج من جامعة نابلى انتقل للتدريس في جامعة باريز مما يعنى أنه حمل الفكر الإسلامي من جامعة نابولي غلى باريز عاصمة فرنسا "، بحسب تعبير أبو حسان. أما في ص 99، فيتناول أبو حسان تأثير الفقه الإسلامي على قوانين أوروبا، وأكتفي بقوله: " إن قواعد القانون الإنجليزي العامة منقولة في أغلبها عن القواعد الفقهية (المائة الأولى) من مجلة الأحكام العدلية وهي القانون المدني العثماني"، وقوله: " إن نظام السوابق القضائية الإنجليزي قد أقتبس من نظام الفتاوي الهندي ( وهي بالحقيقة قرارات المحاكم الإسلامية في الهند) ". وأختم بما أورده ص 70، من أن أوربا اقتبست نظام الضرائب الإسلامي القائم على ضرائب التجارة والصناعة بينما لم تعرف أوروبا إلا ضرائب الزراعة وذلك حتى الحروب الصليبية فعدلت نظامها مما ساعد على زيادة التحصيل وتحسن أحوال المزارعين. وبعد، فإن التصالح مع الهوية الحقيقية لشعوبنا وهي الإسلام، يجب أن يكون نقطة الإنطلاق لترسيخ الإصلاح في مجتمعاتنا، وكما كان الإسلام أساس نهضة الغرب، فإنه قادر على أن يكون أساس نهضتنا، بل وستكون نهضتنا أفضل لأن الإسلام هويتنا أيضاً، ويمكن أن نأخذ  من تجربة ماليزيا وتركيا مثالاً على قدرة الإسلام على التغيير الإيجابي حين نتواصل مع هويتنا وتراثنا الإسلامي ونفتح المجال للإجتهاد والتطوير لبناء مستقبلنا المشرق بإذن الله.