من أكثر القضايا التي شغلت مساحة كبيرة في أوساط الحركة الإسلامية كانت قضية منهج التغيير الصحيح الذي يجب اتباعه، ويمكن حصرها بثلاثة مناهج رئيسة وهي: منهج الثورات والانقلابات كتنظيم القاعدة، ومنهج المشاركة السياسية البرلمانية كجماعة الإخوان وبعض الجماعات السلفية، ومنهج الدعوة العلمية والتربية السلمية للشعب مثل الدعوة السلفية وجماعة الإخوان. ويبدو أن منهج الدعوة والتربية للشعب هو الذي قد نجح وأثبت قدرته على تغيير الواقع، فهذه الجماهير التي قادت التغيير لم تتبنى العنف أو تحمل السلاح لتحقيق هدفها، كما أن جزء من غضبها كان منصباً على سخافة اللعبة البرلمانية القائمة وعدم جدواها في ظل الإحتكار السلطوى عبر التزوير والقمع والبلطجة. ولكن خيار الجمهور كان أخذ زمام المبادرة بفرض التغيير السلمي من خلال التكاتف في مطالب عادلة وشرعية مع صد عدوان السلطة عليهم، وهو نتيجة للجهود الضخمة التي بذلت عبر عشرات السنوات من قبل مؤسسات التعليم والدعوة الإسلامية والثقافية وغيرها. كتب العلامة الألباني عام 1971 في تعليقاته على العقيدة الطحاوية: " وفي هذا بيان لطريق الخلاص من ظلم الحكام الذين هم " من جلدتنا و يتكلمون بألسنتنا" وهو أن يتوب المسلمون إلى ربهم, ويصححوا عقيدتهم, ويربوا أنفسهم وأهليهم على الإسلام الصحيح, وتحقيقا لقوله تعالى:" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" [ الرعد:11] ... وليس طريق الخلاص ما يتوهم بعض الناس, وهو الثورة بالسلاح على الحكـــــــام, بواسطة الانقلابات العسكرية, فإنها مع كونها من بدع العصر الحاضر, فهي مخالفة للنصوص الشرعية التي منها الأمر بتغيير ما بالأنفس, و كذلك فلا بد من إصلاح القاعدة لتأسيس البناء عليها " و لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز" [ الحج : 40] " أ.هـ أما الدكتور يوسف القرضاوي فقال في كتابه السياسة الشرعية عام 1998: " إذا كانت القاعدة عند الماركسيين: غير الاقتصاد يتغير التاريخ، فالقاعدة القرآنية: غير نفسك –أو غير ما بنفسك- يتغير التاريخ. وقد عُني المصلحون والمجددون الإسلاميون بهذه القاعدة أو السنة القرآنية في التغيير، كما نلاحظ ذلك عند الشيخ رشيد رضا، والشيخ حسن البنا، والشيخ عبد الحميد بن باديس، وغيرهم في البلاد العربية، حتى جعل ابن باديس الاية الكريمة شعار الجمعية الإصلاحية الشهيرة (جمعية علماء الجزائر) شعاراً دائماً لها " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" [الرعد: 11] ". أ.هـ ومن لا يعترف بتغير الشعوب نحو الأفضل فهو مكابر لا يجدى النقاش معه، ولكن هذا لا يعنى وصول شعوبنا إلى الكمال والتمام سواء في شئون دينها أو دنياها والتي يتمناها كل مخلص غيور لها. فشعوبنا اليوم من ناحية التدين تقدمت كثيراً وإن كان لا يزال أمامها طريق طويل، لكنها اليوم في الطريق المتجه للدين والإستقامة وليست في الطريق المغادر، فالتوحيد في ازدياد والشرك في انحسار بين المسلمين، والمساجد تمتلئ بالمصلين اليوم وتحتاج أن تمتلئ قريباً بالخاشعين في صلاتهم، والصائمون في رمضان هم الغالبية ويلزم أن تصبح هذه الأغلبية تتحقق فيها غاية التقوى من الصيام، والمزكون اليوم كثر ونحتاج أن يدققوا أكثر في زكواتهم وكسبهم، والحاجون والمعتمرون أصبحوا بالملايين ونحتاج أن يتخلقوا بحكم وغايات الحج والعمرة أكثر، وقلما ترى إمرأة غير محجبة في بعض الأماكن لكن نحتاج نبذ حجاب الموضة والموديل والتقرب بالحجاب لله وليس للناس. وشعوبنا اليوم تقدمت في مجال التعليم وإن كان لم يصل لحد حب العلم والتنافس فيه، وشعوبنا اليوم تقدمت أحوالها في العمران والصحة والإقتصاد، لكنها لا تزال تحتاج مزيداً من الإتقان والإبداع والأمانة. وشعوبنا اليوم على صعيد السياسة تجاوزت مرحلة الطفولة وبدأت تدرج في طريق النضج، فلم تعد تغتر بالشعارات الجوفاء والعنتريات الحمقاء، وأصبح هناك اليوم من يكشف طرفاً من الأكاذيب والمؤامرات التي تحاك لها، لكنها لا تزال تتلمس الطريق للوصول للقواعد السديدة في فهم الأمور وعدم التعجل في اتخاذ القرارات، كما أنها لم تصل بعد للإستراتيجية الصحيحة في الإصلاح والتنمية انطلاقاً من دينها وهويتها. والخلاصة إن هذه التغيرات الجارية اليوم هي بسبب تغيرات إيجابية في الشعوب، فإذا أرادت شعوبنا مزيداً من التغيرات فعليها بمزيد من تغيير أحوالها نحو الأفضل، في دينها ودنياها، لأنها الطرف الأساسي، فبحسب جديتها في التمسك بالدين والأخلاق والعلم والعمل يكون رفعتها، وعندها حين تقرر أن تتغير فلن تستطيع قوة داخلية أو خارجية منعها من ذلك. وهذا يلقى بالمسئولية على العلماء والدعاة من جهة وعلى الحكام والمسئولين من جهة أخرى، لأنهم في الخيار بين أن يكونوا قادة ورواد العمل الإيجابي في نشر الدين والأخلاق والمعرفة والعدل والأمن الذي يحقق السعادة والرفعة لشعوبنا، أو يكونوا السد الذي تحطمه الشعوب !! يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " إذا اجتهد الراعي – الحاكم- في إصلاح دينهم ودنياهم بحسب الإمكان كان من أفضل أهل زمانه وكان أفضل من المجاهدين في سبيل الله".
تغيرت الشعوب فتغيرت الأحوال
2014/08/01
الرابط المختصر
Image