المستقبل لدين الإسلام

الرابط المختصر
Image
المستقبل لدين الإسلام

الدين هو أصلٌ في تكوين وخلق الإنسان، أليس قد خُلق بيدي الله عز وجل، أوليس سكنَ في جنته، أوليس خاطبه ربُّه مباشرة، فكيف يكون الدين طارئا على الإنسانية؟ والدين مكون أصيل في كل المجتمعات الإنسانية، وعلماء الآثار يؤكدون هذه الحقيقة إذ وجدوا مدنا بلا حصون، ومدنا بلا قصور، ومدنا بلا مدارس، ولكنهم لم يجدوا قط مدنا بلا معابد. ولذلك فإن ما يتوهمه البعض من إمكانية الاستغناء عن الدين والإسلام فهذه أحلام يقظة، وأوهام لا حقيقة لها، وقد رد القرآن الكريم على أصحاب هذه الدعاوى الزائفة فقال تعالى: "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون * هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" (سورة الصف 8، 9).  والواقع هو أكبر دليل على ما نقول، فما نراه من انتشار الإسلام في ربوع الأرض سواء بدخول غير المسلمين فيه من كل الجنسيات والأجناس والقوميات والمستويات العلمية والاقتصادية والاجتماعية، أو بتمسك المسلمين بدينهم برغم كل ما يلاقونه من عنت واضطهاد وتمييز ديني يصل لدرجة القتل والتهجير كحال كثير من الأقليات في آسيا وأفريقيا، أو بعودة كثير من شباب وفتيات المسلمين لدينهم وتمسكهم بشعائره وعباداته وسننه، لهو برهان ساطع ودليل قاطع على أن المستقبل للإسلام. وما تتعرض له الأمة من مكائد ومخططات لنهب مقدراتها واستمرار سلب إرادتها واحتلال مقدساتها وترسيخ الاستبداد في ربوعها، يقطع الأمل بأي سبيل غير سبيل الدين والإسلام، والذي وحده القادر على شحذ الهمم وتوحيد الصف وحشد الناس لغاية واحدة. ولكن هذا لا يكون دون عمل وتضحية وتعب، ولن يتحقق لنا المستقبل السعيد بالإسلام ونحن نسير في مسار غير صحيح، أو بشكل غير صحيح، نعم نؤمن أن المستقبل للإسلام، لكن هل نستحق نحن أن نكون مستقبل الإسلام؟  اعتقد أنه لن يتحقق هذا إلا بالوعي الصحيح بالدين أولاً، فهذه الأحوال السيئة التي نعيشها هي بسبب النقص بالوعي الصحيح بالدين والإسلام، وإلا فهل تتماشى حالة عدم النظافة في شوارعنا مع كون الطهارة نصف الإيمان! وهل تتماشى حالة عدم الانتظام بالدور والفوضى مع كون استقامة الصفوف من تمام الصلاة! وهل تتماشى حالة تأخير الأعمال وعدم سلامتها والتزامها بالمواصفات مع كون إتقان العمل من موجبات محبة الله عز وجل! وهل تتماشى حالة الجهل وقلة الثقافة وضعف مَلَكة النقد والتفكير مع كون (اقرأ) أول كلمة أنزلت من القرآن، وتفضيل الله للعلماء وذم الله للكفار على عدم تفكرهم وتعقلهم وبحثهم! هل تتماشى حالة السلبية عن القيام بدور فاعل في أي باب من أبواب الخير، مع كون السعي في حاجة المسلم خير من اعتكاف شهر! إذن الوعي الصحيح بالدين وأنه ليس مجرد مفاهيم مجردة، بل هو في حقيقته "اعتقاد بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح"، وأنه يشمل كل نواحى الحياة، هو الخطوة الصحيحة الأولى نحو النهضة بالإسلام. ولا نلتفت لمحاولات البعض الذي حين عجز عن مصادرة الدين وإلغائه، أراد التضليل فبدأ يبحث عن تعطيل الدين باسم (فهمه/ تأويله/ قراءته/ تيسيره/ تطويره) وذلك من أرضية علمانية، فما هؤلاء إلا كمن يريد أن يضيء غرفة بوضع كوب زجاج مكان مصباح الغرفة!!!   والخطوة الثانية نحو الازدهار بالدين والإسلام: الوعي والفقه للواقع المعاصر وكيفية التعامل معه، فكم من جهود مخلصة ضاعت وتبعثرت وتبخرت، وبعضها عرقل وسد الطريق على من بعده، بسبب عدم الفقه والوعي بواقعه. فهل من الوعي بالواقع أن يتصدر الشأنَ العام من لا خبرة له به، أو من ثبت فشله في التعاطي معه! وإذا درست كثير من التجارب ستجد أنها تكرر المأساة دون أن تتعظ أو تتعلم، ومن أبسط قواعد التفكير أنك كلما حاولت حل مشكلة بنفس الأدوات التي فشلت في حلها أول مرة لعدم صلاحيتها لن تجني سوى الفشل في كل محاولة! ولهذا كلما قامت الدول بحل مشكلة المديونية بقرض جديد لم تحل أبداً! وأيضاً كلما عجزت المعارضة عن تقديم الحلول والبدائل سنبقى ندور في الحلقة المفرغة، ولن تحل المشكلة سواء بقيت المعارضة معارضة أو وصلت للحكم. وعند تشكل هذين الوعيين: الوعي بالإسلام والوعي بالواقع، يفترض أن تقوم حالة من النقد الذاتي لمسار التجارب والمحاولات للنهضة بالإسلام، يتم فيها تلافي النواقص والمعيقات، ويتم اعتماد سياسات جديدة تجاه التعاون مع بقية المكونات من التيار الإسلامي وغير الإسلامي، ويتم فيه بناء برامج عمل حقيقية تكون أساس المشاركة بالشأن العام، سواء بتولي تطبيقها مباشرة في حالة النجاح بالانتخابات، أو من خلال فرضها من خلال الضغط المعارض وإقناع الجمهور والمسؤول بصوابها. ومن هنا فعلينا الاهتمام بنشر الوعي بالإسلام ليصبح فعلاً هو الوعي المحرك للأمة بكافة مستوياته، دون الاقتصار على مستوى دون مستوى في شرائح المجتمع، أو جانب دون آخر من جوانب الدين. كما علينا أن نطور معارفنا وآلياتنا للوعي بالواقع وكيفية التعامل الصحيح معه، والاستفادة من تجاربنا السابقة، من خلال الخروج من صندوق تجاربنا الفاشلة والنظر إليها من الخارج. ولنعلم جميعاً أن الفشل والخطأ ليسا عيباً لكن العيب هو تكرار الأخطاء وعدم التعلم من دروسهما، خاصة من أهل الفضل. ولم أر في عيوب الناس عيباً              كنقص القادرين على التمام