الإسلاميون والربيع العربي

الرابط المختصر
Image
الإسلاميون والربيع العربي

صدر بداية هذا العام في بيروت للأستاذ بلال التليدي من المغرب كتاب جديد بعنوان "الإسلاميون والربيع العربي.. الصعود، التحديات، تدبير الحكم" تناول فيه تجارب (تونس، مصر، المغرب، اليمن)، وذلك ضمن منشورات مركز نماء للبحوث والدراسات بالرياض. يتميز الكتاب بكونه يتناول حدث الساعة بلغة سهلة لاشتغال المؤلف بالصحافة المغربية الإسلامية، فهو كاتب دائم في جريدة "التجديد" التابعة لحركة التوحيد والإصلاح، كما أن الكتاب يتميز باعتماده على المنهجية الأكاديمية في النظريات السياسية والاجتماعية، ولكن القيمة المضافة الكبرى في هذا الكتاب في كونه يقدم نموذجاً تفسيرياً لصعود الإسلاميين في الانتخابات عقب الربيع العربي مستمداً من مزيج من النظريات العلمية مع مراعاة فروق واقع الحركات الإسلامية عن الأحزاب العلمانية في بيئاتها، وذلك كله من أرضية إسلامية وليس من أرضية معادية أو مخالفة قد تتحيز أو لا تستوعب الخصوصية الإسلامية، وهو عيب خطير تعاني منه كثير من الدراسات والندوات عن التيار الإسلامي. في البداية يرصد المؤلف مواقف الإسلاميين – وتحديداً حركات الإخوان المسلمين – من الثورات في تونس ومصر والمغرب واليمن، ليخلص أنها تراوحت بين أربعة مواقف، هي: - رفض المشاركة الرسمية مع السماح للشباب بالانخراط في الحراك، وتبعه لاحقا مشاركة القيادات بشكل كامل، كحالة جماعة الإخوان في مصر. - رفض المشاركة رسمياً وبالكامل، وهي حالة حزب العدالة والتنمية بالمغرب. - المشاركة والتصعيد السلمي ضمن الدستور، لكن بسبب الظرف الإقليمي تم القبول بتسوية سياسية، كحالة تجمع الإصلاح باليمن. - الانخراط كلياً بالحراك، كحالة حزب النهضة بتونس، والحركة الإسلامية بليبيا. ويرى التليدي أن اختلاف مواقف الإسلاميين من الربيع العربي لا يمكن عزوها لسبب وحيد، ولذلك يقدم نموذجاً تفسيرياً هو: التموقع السياسي للحركة الإسلامية ضمن السياق السياسي الذي تشتغل فيه. ويقصد بالتموقع السياسي للحركة: الوزن السياسي الذي تتمتع به الحركة بين الفرقاء السياسيين، والإمكانات المتاحة لها بسبب وزنها وحجمها أو بسبب تحالفاتها أو التقاء مصالحها مع قوى داخلية أو خارجية. ويرى التليدي أن هذا النموذج يقدم تفسيراً مقنعاً لاختلاف المواقف داخل السياق السياسي الواحد أو داخل التيار الواحد الذي يتقاسم مرجعية مشتركة، ويضرب لذلك مثلاً بجماعة الإخوان في مصر وجماعة الإخوان في سوريا، فبسبب اختلاف موقع كل منهما السياسي المحلي، واختلاف السياق السياسي العام كان اختلاف موقفهما من الثورة. لكنه ينبه على أنه قد لا تمتلك كل الحركات رؤية صحيحة وسليمة لموقعها السياسي، ولكنه لن يؤثر على النموذج لأنها سوف تتعامل مع ما تظنه موقعها ومكانتها. ثم ينتقل التليدي لبيان ثوابت التفكير السياسي الإسلامي الحركي السني من خلاله رصده لمواقفه، وهي: 1- ثابت التغيير السياسي في إطار الحفاظ على الاستقرار، بخلاف الفكر الشيعي الذي يقوم على نسف البناء القديم، ولذلك قبل الإسلاميون بالتعاون مع القوى الموجودة (الجيش في مصر، القصر في المغرب، الفرقاء الآخرين في تونس، نائب الرئيس في اليمن). 2- ثابت الضغط بالحراك لإحداث الإصلاح، ولذلك كانت مطالبهم إصلاحية لتجنب الوضع الأسوأ. 3- ثابت العمل في إطار تشاركي، كما حدث في تونس والمغرب واليمن وحتى مصر، والضجة حول انفراد الإخوان فيها كثير من المبالغة ومحاولة فرض ديكتاتورية الأقلية.   من هنا يلتقط التليدي أن القدرة العالية للإسلاميين اليوم على التنظيم كانت السبب الرئيس في جعل الإسلاميين الرابح الأكبر من الربيع العربي، وهي الحقيقة التي تفسر سبب تسيد الحركات اليسارية في الدول العربية في مرحلة التحرر برغم أن الجماهير كانت غير يسارية بل غالبيتها جماهير متدينة، لكن بسبب جاهزية اليسار التنظيمية آنذاك كانوا هم من تسلم الحكم بدون رأي الشعب، بخلاف اليوم حيث يصل الإسلاميون عبر صناديق الانتخابات وليس على أبراج الدبابات. ويحلل المؤلف فوز الإسلاميين المتكرر بالانتخابات عبر استعراض النظريات السياسية لسلوك الناخب، ومن ثم دراسة نتائج الانتخابات الأخيرة في تونس ومصر والمغرب، ليخلص لنتيجة أن الناخب بعد الربيع العربي اعتمد على قاعدتين: قاعدة النموذج المثالي التي تقوم على استحضار الناخب لنموذج يعتبره مثالياً له، ويضع له قيماً مركزية وفرعية للمفاضلة بين المرشحين، وقاعدة الإزالة والإلغاء، حيث يقوم بشطب من تتخلف عنه القيم المركزية أو الفرعية، ولا يشترط في ذلك أن تكون نتيجة عمليات ذهنية مركزة، بل قد تكون بشكل سريع وسطحي. ويرى التليدي أن القيم المركزية لدى جمهور الناخبين كانت: عدم التورط بالاصطفاف مع الأنظمة السابقة، وعدم المسؤولية كلياً أو جزئياً عن الأوضاع التي فجرت الثورة؛ أما القيم الفرعية فعديدة منها برنامجه وخدماته وشخصيته ومؤهلاته وحزبه. أما التحديات التي تنتظر الإسلاميين بعد الفوز بالانتخابات فهي متعددة منها: طبيعة العلاقة بين الوظيفة الدعوية والوظيفة السياسية والحكومية، تحدي الثورة المضادة، التحدي الاقتصادي، العلاقة مع الفرقاء السياسيين، العلاقة مع الخارج. وللإجابة عن هذه التحديات يقدم المؤلف عرضاً سريعاً لتجربة حزب العدالة والتنمية المغربي وكيفية تعامله مع عدد من هذه التحديات. ليختم كتابه بعرض ثلاثة سيناريوهات تواجه الإسلاميين للخروج من المرحلة الانتقالية، حيث السيناريو الأول يقوم على إنجاز تحول ديمقراطي حقيقي، من خلال تنفيذ عناوين الثورة وشعاراتها بالإصلاح ومحاربة الفساد والفاسدين، والقيام بسياسات تحقق النمو الاقتصادي، ويراه مستبعداً لعدم وجود مؤشرات كافيه تسنده، وهو ما ظهر مؤخراً في مصر. والسيناريو الثالث هو الفشل في تحقيق الانتقال الديمقراطي، بسبب عجز الإسلاميين عن إدارة المرحلة، وتكالب الثورة المضادة والمصالح الخارجية ضدها مع استياء الشارع منها لأدائها غير الجيد، ويحمل الإسلاميين كل الفشل وقد تعود الأمور لما قبل الربيع العربي، ويعتقد المؤلف أن المؤشرات تستبعده ولكن لا تقصيه تماماً. ويبقى السيناريو الثاني وهو إنجاز تحول ديمقراطي وسيط، بحيث تتوازن قوة الإسلاميين وشركائهم مع قوى الثورة المضادة مما يجعل اللجوء لتسوية سياسية هو المخرج من الأزمة، فيحدث تعديل دستورى أفضل من السابق ودون الطموح. ويعتقد التليدي أن هذا السيناريو هو الأقرب للواقع، حيث الجميع بحاجة للاستقرار، والذي قد يجد مساندة من الفاعل الدولي للوصول للاستقرار لضمان مصالحه.