النقد العلنى كضرورة شرعية

الرابط المختصر
Image
النقد العلنى كضرورة شرعية

لقاءات العيد فرصة للقاء بالعديد من الأقرباء والأصدقاء الذين لم نرهم منذ مدة قد تطول بسبب الإيقاع السريع لمتطلبات الحياة العصرية، وكثرة الأشغال العاجلة غير الضرورية!! في واحدة من هذه اللقاءات حدثني أحد المعارف عن زيارته في العيد لأحد كتابنا المعروفين والذي شغل مؤخراً موقع رفيع في إدارة إحدى الفضائيات العربية في المهجر، وأنه صدم من رأيه في سياسة حماس من بداية دخولها اللعبة السياسية والمشاركة بالانتخابات والحكومة المشتركة إلى الاستفراد بقيادة غزة وأخيراً تصادمها العسكري مع بعض العائلات في غزة. سبب الصدمة عند محدثي أن كاتبنا هذا يعد من أقوى المنافحين عن حماس، ولكن هذا الرأي لا يجهر به بدعوى اقتضاء المصلحة دعم حماس، وموضوع دعم حماس ومساندتها في الحق ليس موضع خلاف ولا جدال وكون حماس حركة إسلامية تتشرف بالجهاد موقع تقدير واحترام لا نقاش فيه، لكن هل هذا يبرر عدم نقد ونصيحة أي جهة تقوم بنفس الدور إذا أخطأت ؟ و هل يجوز تبرير الخطأ بين الجماهير بدعوى الخوف من استفادة الخصوم من هذا النقد ؟ من المسلمات في الشريعة الإسلامية وجوب النصيحة لكل المسلمين كما في حديث أبي تميم بن أوس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الدين النصيحة ، قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم " متفق عليه. بيان الحق بعدل وإنصاف في خطأ أي جهة أو فرد هو نصيحة لهم ولعموم المسلمين، وهو أيضاً من باب مساعدة المظلوم، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما قالوا يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما قال تأخذ فوق يديه" رواه البخاري. والحب والتقدير هو منبع النصيحة ونصرة المظلوم ، لأننا نريد لمن نحب مقاربة الكمال والتمام، ولذلك لا يعد التغاضي عن أخطاء الحبيب من زوج أو ولد وعدم نصيحته من تمام المحبة. وقد نبه الكثير من العلماء والمفكرين على خطأ تمارسه كثير من الحركات الإسلامية في مسيرتها العملية، من تعظيم الرابطة الحزبية أو الدعوية أكثر من تعظيم الحق ، مما يترتب عليه الاستمرار على الخطأ وتضخمه حتى يصبح هو الأصل !! ونبهوا أيضاً على عدم صواب ضرورة النصيحة السرية دوماً، وأن النقد العلني المصحوب بالحب والأدب ضرورة شرعية وعقلية، ألم يعاتب الله عز وجل حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم في آيات عدة مثل قوله تعالى: " عبس وتولي " (عبس 1)، " عفا الله عنك لم أذنت لهم " (التوبة 43) ، كما عاتب الله عز وجل المؤمنين المجاهدين في معركة أحد في كتابه فقال تعالى:" إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم " ( آل عمران 155 ) ، والنبي صلى الله عليه وسلم ألم يعاتب سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه علناً ويتبرأ من قتله خطأ لبعض المسلمين ؟؟ الوقوع في الخطأ ليس عيباً بل العيب في سكوت العقلاء عنه وفي الإصرار عليه بعد العلم به، إن مما يفتح للإسلام القلوب والعقول قبل الحدود والدول هو التطبيق الصحيح والصادق لقيم الإسلام، هذا التطبيق الذي لا يقتصر على الزمن الذهبي للإسلام فنبقي نتغنى بمقولة عمر الفاروق " أصابت امرأة واخطأ عمر " أو بحادثة أمين الأمة أبو عبيدة بن الجراح بإعادة جزية أهل حمص حين عجز عن حمايتهم ، وغيرها من المواقف المشرفة في تاريخنا المجيد، إن التطبيق الصحيح للإسلام بالثبات على الحق والرجوع عن الخطأ هو الانتصار الحقيقي الذي يريده الله منا. إن المسيرة المباركة للحركات الإسلامية مليئة بالانجازات المشرقة والمواقف الرائدة، وإشاعة روح النقد العلني البناء والمؤدب مما يساعد هذه الحركات على تحقيق المزيد من الانجازات، فحين تشعر هذه الطاقات الداخلية والخارجية أن نصائحها موضع تقدير وأن الخطأ يمكن تقويمه عبر الحوار والتناصح تنهض همم هذه الطاقات المبدعة والمتميزة لدعم مسيرة هذه الحركات الرائدة من خلال تقديم النصائح الصادقة والمخلصة والاقتراحات الإيجابية، لكن حين تسد الطريق أمام تقبل النقد الهادف والنصيحة البناءة تصبح الطريق معبدة للانشقاقات والانقسامات وبدء الحروب الأهلية من قبل الطاقات الداخلية كما هو مشاهد للأسف!! أو الدخول في متاهة المهاترات والاتهامات الخارجية بما يضيع الحق ولا يورث إلا العداوة من قبل الطاقات الخارجية.