على خلاف ما يردده خصوم التيار الإسلامي من أن الانقلاب على الرئيس محمد مرسي شكل نهاية المشاركة السياسية للأحزاب الإسلامية، فأنا أعتقد أن هذا الانقلاب كان هدية كبيرة جداً للتيار الإسلامي ومستقبله، ويستحقون عليه المقولة المشهورة (شكراً لكم أيها الأعداء)! فالانقلاب على الرئيس مرسي أعاد اللحمة للصف الإسلامي بدرجة كبيرة بعد بروز بعض التصدعات بسبب سياسات الرئيس والحكومة وجماعة الإخوان المسلمين، كما أن الانقلاب أعاد للتيار الإسلامي وجماعة الإخوان شعبية كبيرة اهتزت بسبب الحملات المسعورة من قبل الإعلام العلماني غير الشريف والذي حوّل النقد والمعارضة للسياسات والمواقف كما تقتضي الموضوعية والمهنية إلى وصلات ردح وتحريض وكراهية لوجود التيار الإسلامي نفسه ثم ارتكب جريمة إشعال موجة كراهية عنصرية ضد الفلسطينيين والسوريين في مصر. كما أن الانقلاب على مرسي أشعل روحا من الوحدة الإسلامية عبر العالم لكل حمَلة المشروع الإسلامي بكافة تلاوينه ولو بالتعاطف والدعاء، وفعلاً لقد كان هذا الانقلاب سببا لإيقاظ المارد الإسلامي من سباته لنصرة رئيس مظلوم في البداية، ثم لنصرة مؤيدين للشرعية والسلمية والدستورية، ثم لنصرة مصلين يُقتلون في سجودهم وركوعهم بدون جريمة ارتكبوها أو جريرة استحقوها، وهذا كله يتم بالمقارنة مع الفارق بين سياسة التراخي من الرئيس المظلوم مع خصومه وبين السياسات الجائرة للمنقلبين عليه. ففي عهده أُحرقت مقارات أنصاره وقتل مؤيديه وتم محاولة خلع باب قصره بعد أن ملئت جدران سوره بالشتائم ضده، وتظاهروا قبالة شقته، ولم تقبض الشرطة على شخص واحد منهم! أما اليوم فيقبض في ليلة 6 رمضان على 400 من ضحايا مؤيدي الرئيس في ميدان رمسيس ! أما الإعلاميون فقد سبوه وأهانوه على الهواء مباشرة ولم يلاحقهم أو يعاقبهم حتى تمادوا كثيراً فأخرج أوقحهم لسانه له على الشاشة !! وأما الساسة مدّعو المدنية والليبرالية والحرية فلم يخجلوا من طلب التدخل الخارجي ضده علناً، وجاهروا بمطالبة الجيش بالتدخل في الحياة السياسية، ورحبوا بكل الخطوات والإجراءات التي أنكروها على الرئيس مرسي وشنعوا عليه بسببها حين تمت تحت ظل أحذية العسكر! فكيف بعد كل هذا الظلم البيّن – برغم وقوع أخطاء من مرسي – لا يتعاطف معه المسلمون والتيار الإسلامي في العالم وهم يرون خصومه يَفْجرون بالخصومة لدرجة قتل المصلين المعتصمين ويتهمونهم بالإرهاب بينما كانت عصابات البلاك بوك تقتل والشرطة تتفرج دون حراك ومع ذلك يسمونهم بالثوار! ووصل الفجور بالخصومة لحد أن كثيرا من قادة الإعلام والسياسة يطالب بكل وقاحة بإقصاء كل الأحزاب الإسلامية حتى حزب النور السلفي في موقف عدائي لكل ما هو إسلامي، ولهذا كسب التيار الإسلامي في مصر والرئيس مرسي تعاطف المسلمين في كثير من أنحاء العالم، وسيكون لهذا التعاطف ما بعده سواء على الصعيد الوطني أو العالمي. أما عن مستقبل العمل السياسي الإسلامي فهو فيما أعتقد مستقبل مزدهر، بل المستقبل له فحوادث التاريخ تفصح بكل وضوح عن أن الإسلام هو الثابت الوحيد في بلادنا وأن كل وافد طارئ زائل مهما استطال بقاؤه وارتفع سلطانه، فقد كسرت أمتنا موجات الإفرنج التي سادت حيناً من الدهر، وهضمت أمتنا جحافل التتار والمغول حين داهمتنا كالسيول، وتملصت أمتنا من الاستعمار الأجنبي الذي فشل في تغييب هوية الأمة، وكل ذلك بالاعتماد على الإسلام مصدر قوة الأمة. واليوم فإن العمل الإسلامي والمشاركة السياسية مع موعد جديد لنصر جديد، لا سيما وأن العمل الإسلامي يتميز بتجدده وتطوره وتعلمه من تجاربه، نعم، بعض التجارب مرة ومؤلمة وكان يمكن تلافيها، ولكن في النهاية يتطور المسار ويتنوع، فعندنا نموذج ماليزيا التي حوربت في اقتصادها، وعندنا نموذج تركيا الذي يتعرض لتشويه اليوم، وعندنا نموذج مصر الذي تم الانقلاب عليه، وعندنا نماذج أخرى في المغرب والأردن والخليج والسودان واليمن. وكل هذه النماذج تعرضت لمحن شبيهة بمحنة مصر ولم تكن نهاية العمل السياسي الإسلامي، بل كانت بداية لحضور أقوى ودوْر أرسخ ونتائج أفضل. رؤية لتطوير المشاركة السياسية الإسلامية: ومساهمة في دفع العمل السياسي للأمام فإنني أقترح أن لا تحصر الجماعات الإسلامية وخاصة الكبرى منها نفسها في حزب محدد يكون بمثابة حزب الجماعة، بل يتم فتح المجال أمام انبثاق عدد من الأحزاب السياسية من مرجعية الجماعة نفسها، ويكون التنافس بينها بالبرامج مع الاتفاق على الخطوط العريضة. فكما أن الجماعات والأحزاب الإسلامية تقبل بالتنوع في إطار المرجعية الإسلامية، فلتقبل بالتنوع في إطار مرجعيتها الخاصة، خاصة وأن هذا حاصل من خلال تنوع آراء قادتها في بعض المفاصل والمحطات، فلنفسح المجال لهذا التنوع ليتكامل بدلاً من التطاحن الداخلي. طبعاً لا بد من الاتفاق على عدد من الثوابت لابد أن تلتزم بها هذه الأحزاب الجديدة في برامجها وسياساتها لتنال دعم (الخزان الانتخابي) الإسلامي، ومن جهة أخرى لا بد من استعداد هذه الأحزاب لتكوين ائتلافات انتخابية حقيقية وعادلة تضمن عدم تفتيت الكتلة التصويتية أو تصادمها. وبهذا نتخلص من معضلة علاقة الحزب بالجماعة، ويتم فصل الدعوة عن السياسة بشكل كبير جداً، وإنهاء حالة الحرد والانشقاق في أوساط الجماعة بسبب تباين الرؤى الاجتهادية في حل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهكذا، وتتحول بهذا الدعوة والجماعات الإسلامية إلى كتلة تصويتية تسعى مختلف الأحزاب للحصول على دعمها وتأييدها. وبهذا التنوع الإسلامي نحقق عدداً من المكاسب: 1 – زيادة عدد الهيئات الإسلامية في الحياة السياسية، وقد شهدنا أنه في دعوات الحوار الوطني في عدد من الدول يتم توجيه الدعوة بالتساوي للفرقاء السياسيين، لحزب كرتوني أو ائتلاف صوري يمثله مندوب وحزب عريق وكبير يمثله مندوب، وبالنتيجة تكاثر الواجهات الفسيفسائية غير الإسلامية يغلب الثقل الإسلامي الضخم المقيد في مندوب وحيد، وتصبح المعادلة الإعلامية المضللة: الفصيل الإسلامي الوحيد يعارض القوى العلمانية المتعددة – برغم أنها ترسب في الانتخابات-!! 2- تنافس الأحزاب الإسلامية على تقديم الحلول والبرامج والخروج من حالة القائد الملهم لكسب أصوات التيار الإسلامي الضخم. 3- فتح المجال لكثير من الطاقات المعطلة بسبب جمود القيادات الدعوية على قناعات محددة في قضايا اجتهادية. 4- ضخ دماء جديدة في عروق التيار الإسلامي قد لا تكون متوافقة تماما مع الخط الدعوي.
المستقبل للعمل السياسي الإسلامي
2014/08/01
الرابط المختصر
Image