الصحوة الإسلامية.. صحوة من أجل الصحوة

الرابط المختصر
Image
الصحوة الإسلامية.. صحوة من أجل الصحوة

"الصحوة الإسلامية.. صحوة من أجل الصحوة" هذا عنوان كتاب جديد للمفكر الإسلامي السوري المقيم بالرياض د.عبدالكريم بكار، وقد صدر هذا الكتاب عن دار وجوه ومؤسسة الإسلام اليوم في مطلع عام 1432هـ/ 2011م، ويأتي بعد عدة كتب مهمة صدرت للدكتور بكار مثل: "تكوين المفكر" و"تجديد الخطاب الإسلامي"، لكن كتاب الصحوة هذا يكاد يكون امتداداً لكتاب هام ومبكر لبكار وهو كتاب "مقدمات في النهوض الدعوي" والذي صدر منتصف التسعينيات. ويعد د. عبدالكريم بكار من أبرز المنظرين اليوم للعمل والصحوة الإسلامية، وهو يشرف على أكاديمية بناء المفكر في الرياض، ويمتاز باللغة الجميلة والعبارة المشرقة مع تطعيمها بأفكار متنوعة وغنية من حقول معرفية متعددة ليخرج لقرائه بخلاصات مثيرة للنقاش والتأمل وهي في الحقيقة القيمة المضافة التي تقدمها كتابات د.بكار. أما كتابه "الصحوة" فيحتاجه كل من يهتم بأمر الصحوة الإسلامية من أهلها أو غيرهم، فأهل الصحوة يحتاجون إلى قراءة هذا الكتاب من أجل الاطلاع على خارطة طريق مقترحة للصحوة والصحويين في هذه المرحلة الجديدة من تاريخ أمتنا، لتوسيع المدارك وامتلاك نظرة شمولية عن الفرص والتحديات والعقبات التي يعايشونها، وهذه الخارطة ليست بالضرورة أن تكون محل إجماع منهم لكنها ستكون نقطة انطلاق للدراسة والبحث والنقاش بدلاً من انتظار من يعلق الجرس الذي قد يتأخر أو لا يأتي!! ومَن هم خارج الصحوة يمكّنهم هذا الكتاب من فهم الصحوة من داخلها ومعرفة حقيقة الصحوة وتطلعاتها وما هو المنطق الذي يحكمها وتصدر عنه، بدلاً من البقاء في دائرة الأوهام والمخاوف عند المنصفين منهم أو في دائرة التجني والافتراء عند الحاقدين والموتورين من خصوم الصحوة والصحويين وما أكثرهم!!  بدأ د.بكار كتابه بمناقشة مصطلح الصحوة، وقد عرّفه بـ: "الإقبال على فهم الإسلام والعمل به والاحتكام إليه.. والذي بدأ ينتشر بقوة في أصقاع العالم منذ السبعينيات من القرن المنصرم"، ولذلك فالصحوة والصحويون عنده تيار عريض يضم في داخله جماعات وأحزاباً ومدارس متعددة، تشترك في أشياء وتفترق في أشياء أخرى، وما ينطبق على البعض لا يلزم البقية. أما عن أسباب ولادة الصحوة فيرى د. بكار أنها متعددة منها: الصراع بين التيار الإسلامي الأصيل وبين التيارات الوافدة كالشيوعية والاشتراكية والعلمانية والليبرالية وغيرها، هزيمة سنة 67 والتي صدمت الكثيرين، لكن أثر هذا السبب محصور جغرافياً، فأندونيسيا وتركيا على سبيل المثال لم يشكل هذا السبب عاملاً في ظهور الصحوة الإسلامية فيهما!! كما كان لفشل المشاريع السياسية والتنموية العلمانية خاصة اليسارية منها دورٌ في ولادة الصحوة، ويرى د. بكار أن ارتفاع نسبة التعليم عامل مهم في ولادة الصحوة الإسلامية، ويدلل على هذا بأن الجامعات والكليات العلمية كانت أهم محاضن الصحوة في بواكيرها. ينتقل د.بكار في عرض تاريخي موجز لمسار الصحوة في السبعينيات من مرحلة التدين والتوبة الفردية والإقبال على الكتاب التراثي وتغيير المجتمع بالتدرج وتوسيع القاعدة الشعبية له إلى مرحلة التفكير في السلطة وحرق المراحل وخاصة بعد ثورة الخميني، فأصبح هناك خطان: خط سلمي وخط ثوري. ينتقل بكار بعد ذلك لمناقشة بعض مقولات مناوئي الصحوة الإسلامية، ليزلف بعدها لمكاشفة الصحويين بشيء من النقد والمراجعة لمسار الصحوة تحت عناوين أهمها: الاستخفاف بالتنظير عند الصحوة، الارتباك في التعامل مع تيار العنف، تراجع الجهد التربوي، القصور في فهم الواقع، عقدة المؤامرة، المبالغة في تقدير المظهر الخارجي، العمل الجماعي بين الغاية والوسيلة، خطورة التنظيم السري. الصحوة والآخرون، فصل قرر فيه بكار ضرورة الانفتاح على الآخرين وقواعد التعامل السليم معهم من خلال عدم تشويه الآخر والنظرة العادلة والشاملة لمواقفه وتصريحاته، والتخاطب معه بأفكار واضحة للوصول لمشتركات ثقافية تسهّل التعايش، وبخصوص الأقليات في الغرب وما شابه فيرى خطورة الانغلاق وعدم التمتع بحقوق المواطنة والالتزام بالقانون مع الحرص على تحصين أسرته بالوعي الإيجابي من مخاطر الثقافة المنافية للإسلام، وينبه على خطورة تورط أبناء الجاليات الإسلامية في صراعات العالم الإسلامي مع المحتلين لعدم جدوى ذلك ولما يجلبه من شرور على مجموع الأقليات هناك. وفي موضوع القيم يرى أن على الصحوة الإسلامية التركيز على نشر القيم الإيجابية وتحويلها إلى سلوك يومي بين الناس، ومن هذه القيم: الاعتدال، العمل والإنجاز، الاحتساب والتطوع. وفي فصل التحديات ينبه بكار إلى أن الصحوة اليوم أصبحت بؤرة اهتمام العالم وأنها تواجه نفس التحديات التي تواجهها الأمة، فالصحوة تواجه تحدي الإعلام المؤيد لها والمعادي، فالإعلام المؤيد لها لم ينضج بعد من جهة ولم تكتمل حلقاته، ويحتاج منها تركيزاً كبيراً لأنه وسيلتها الأساسية اليوم في إيصال رسالتها ومشروعها للمسلمين والعالم أجمع، أما الإعلام المخاصم لها فيحتاج أن تنازله بكفاءة ومهنية وشفافية. الصحوة اليوم تواجه تحدي تطبيق الشريعة، وهي بين متحمس متعجل وبين كاره ورافض، وعلى الصحوة أن تعالج ذلك بدقة لا تفرط فيها بتحكيم الشريعة ولا تتعجل بتطبيقها بطريقة منافية للشريعة ابتداءً أو لا تحقق المقصد منها وهو إقامة العدل ونشر السلام. أمتنا والصحوة تواجه تحديات عديدة أخرى منها تحويل الأفكار الإصلاحية إلى ثقافة شعبية، والانتقال من حالة الممانعة إلى حالة المبادرة عند الجماهير، والانتقال من المنافسة إلى التعاون. وفي الفصل الختامي "الصحوة وأسئلة النهضة"، يركز بكار على العناية بالقوة الناعمة المتمثلة بالثقافة والمنجزات الحضارية والاقتصادية والصناعية وعدم الاقتصار على القوة العسكرية. ولذلك يجعل العناية بتربية الأطفال من خلال تثقيف الآباء والأمهات بأسس التربية وتبني الحكومات لإنشاء رياض الأطفال اللبنة الأساس في إنشاء جيل النهضة. وفي جانب الاقتصاد يوجه لأهمية نشر ثقافة حسن التدبير على الصعيد الفردي والعام مقابل ثقافة الاستهلاك التي تغزو بلادنا، إذ هدر الأموال سبب رئيس في بؤس أحوال أمتنا. وفي موضوع النهوض السياسي يبين د.بكار أن الإسلام جاء بأسس عامة لسياسة الدنيا وترك تفاصيل ذلك لتغيرات الحياة، والدولة في الإسلام لها طابع خاص، فهي تقوم على رضا الناس ومشورتهم فيمن يتولى أمرهم، ولذلك فالحاكم فيها لا حصانة له من المساءلة والمحاسبة في حالة التقصير والانحراف، لكن أيضاً لا يستطيع الحاكم والمحكوم فيها مخالفة أمر الله عز وجل في تحليل الحرام وتحريم الحلال المجمع عليه. ويقدم د.بكار بعض النصائح للصحويين مثل: استمرار التزام سبيل السلمية في التغيير، والمشاركة السياسية ولو كانت دون الطموح، وفصل العمل السياسي عن العمل الدعوي، وتقليل المركزية في الصلاحيات السياسية، وطمأنة المنافسين، والحرص على الشفافية. لقد كتب د.بكار كتابه هذا من أجل طرح رؤى وأفكار ومفاهيم جديدة تساعد الصحوة على أن تكون أكثر رسوخاً وتأثيراً، ومراجعة بعض الأفكار والسلوكيات والاجتهادات القائمة، وتسليط الضوء على أخطاء فادحة وقعت من بعض الصحويين، ومحاورة خصوم الصحويين لتكوين أرضية مشتركة، وأظنه نجح إلى حد كبير في ذلك.