يعد كتاب "عبدالمنعم أبو الفتوح.. شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر 1970- 1984" (الصادر في 2010 عن دار الشروق المصرية في 140 صفحة من القطع الكبير)، هو أحد ثمار الباحث المتميز حسام تمام – رحمه الله – والذي ركز على استكشاف وتدوين تجربة العمل الإسلامي المعاصر في عدة كتب، وذلك من خلال أبحاثه الخاصة أو قيامه بتسجيل شهادات شخصية لعدد من الشخصيات المركزية في العمل الإسلامي صدر منها: كتاب "رحلتي مع الأخوات المسلمات" لفاطمة عبد الهادي، إحدى أهم مؤسِّسات الفرع النسوي للإخوان المسلمين في زمن الأستاذ حسن البنا.
وتأتي أهمية هذه الشهادة من كونها سابقة على استقالة / إقالة د.أبو الفتوح من جماعة الإخوان المسلمين في شهر 4/2011، ولذلك فليس في ما احتوته من آراء وأفكار ما يعد من قبيل الانتقام لتنكر الجماعة له.
ومن جهة أخرى تأتي أهمية هذه الشهادة لكونها شهادة شخصية تعكس أفكار أبو الفتوح المرشح الرئيسي للرئاسة المصرية، وهي شهادة كتبها قبل أن يترشح للرئاسة، ولذلك فهي تكشف عن حقيقة منهج وتفكير وسلوك جوانب متعددة من شخصية أبو الفتوح المرشح الرئاسي، والتي قد يكون فيها أشياء لن يصرح بها أبو الفتوح لو كان يتوقع ترشحه للرئاسة.
محطات من شهادته:
نشأته السلفية: أشار أبو الفتوح في عدة مواطن من سيرته إلى أن والده كان منتمياً لجماعة أنصار السنة المحمدية ويدفع اشتراكاً شهرياً لها، وأنه كان مواظباً على دروس الشيخ حامد الفقي مؤسس الجماعة، وأن أبو الفتوح تربى في مساجد جماعة أنصار السنة والجمعية الشرعية واستمع لدروسهما السلفية، كما أنه تأثر بالكتب السلفية التي كانت توزع مجاناً، ولكنه فيما بعد تبين له أن هذه الكتب تحتوي على أفكار متشددة، وأن الوهابية أقحمت على المشروع الإسلامي في مصر إقحاماً!!
ولذلك كان مظهره في الجامعة وسلوكه سلوكاً سلفياً إذ كان كثيف اللحية جداً ويرتدى الجلابية أحياناً حتى في الجامعة، مما استدعى تنبيه د. صوفي أبو طالب، نائب رئيس الجامعة، له على تلك الهيئة.
التحول عن السلفية: يرى أبو الفتوح أن تحوله من السلفية لما يسميه الوسطية والاعتدال تم من خلال احتكاكه ببعض الدعاة المشهورين مثل الشيخ محمد الغزالي والشيخ سيد سابق ود.البهي الخولي، وهم من قدماء الإخوان المفصولين من الجماعة لكنهم بقوا مؤيدين لفكر حسن البنا، بخلاف من تأثر بالمرحلة القطبية التي طغت فيها أفكار سيد قطب على الجماعة.
حيث يقول أبو الفتوح: " كنت أسمع دروس أنصار السنة وكلها تدور حول قضايا التوحيد ومحاربة البدع كتقديس الأولياء والتبرك بالأضرحة.. أما دروس الجمعية الشرعية فتدور حول العبادات والفرائض.. إلى أن استمعت إلى الشيخ الغزالي فتغير هذا كله إلى مشروع عام للأمة؛ مشروع بعث الأمة ونهضتها، مشروع بناء دولة ووطن.." (ص 36).
من خلال هذا نجد أن الدعوة السلفية كان لها حضور بارز في المجتمع المصري، وأنها كانت الممهدة للعمل الإسلامي مرة أخرى في مصر، فعلى جهود رشيد رضا ومحب الدين الخطيب وحامد الفقي وغيرهم من علماء السلفيين، بنى حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين، وبعد تسلط نظام عبد الناصر على الجماعة بسبب حسن ظنهم فيه وسوء موقفه منهم ومن الدين والمتدينين، ومرة أخرى شكلت جهود السلفيين في جماعة أنصار السنة والجمعية الشرعية الأرضية التي قامت عليها الجماعة الإسلامية في الجامعات المصرية، والتي ستجير للإخوان بعد خروجهم من السجن في عهد السادات.
وهنا يجب أن نقرر أن توقف السلفيين عند مرحلة التأسيس فقط والتي تتمثل بمحاربة مظاهر الخرافة والشرك والبدع ومقاومة الجهل ونشر العلم الشرعي، دون التقدم لخطوة إضافية لمن أنهى هذه المرحلة كان سبباً في تفلت كثير من شبابهم لتيارات أخرى، وبالمقابل كانت جهود جماعة الإخوان أو المنشقين عنهم مثل الشيخ الغزالي بالسير في الخطوة الثانية وهي بناء مشروع إسلامي دون تأسيس عقدي صحيح أو تأصيل علمي وشرعي تولّد عنه ظهور من استعجل قطف الثمرة فجلب المصائب، وتولد عنه أيضاً حصول نوع من الصدمة والانبهار عند البعض جعلته يبدأ في التراجع والتمييع للحصول على رضى العلمانيين في الداخل والغربيين في الخارج.
العمل الإسلامي في الجامعة: دخل أبو الفتوح الجامعة سنة 1970 وهو العام الذي مات فيه عبد الناصر وتولى السادات فيه الحكم، فبدأ عهد من الانفتاح وتوسيع الحريات والإفراج عن معتقلي جماعة الإخوان في سجون عبد الناصر.
وطبعاً كانت الجامعات واقعة تحت هيمنة الاتجاهات الناصرية واليسارية، ولكن رويداً رويداً بدأ بعض الطلبة المتدينون البسطاء في كلية الطب بجامعة القاهرة بالتمحور حول أداء الصلاة وقراءة القرآن، ووجدت هذه النواة رعاية متواضعة من د. محمد عبد المنعم أبو الفضل - وهو أحد قدماء الإخوان غير المعروفين للسلطة- لكن كان لها تأثير بالغ على المجموعة.
ومن هنا بدأ عمل المجموعة يتوسع حتى شاركوا في انتخابات اتحاد كلية الطب سنة 1973 وفازوا فيها، وقد رافق ذلك الفوز أن سياسات السادات كانت داعمة للعمل الإسلامي من خلال رفع الحظر عن العمل الإسلامي ورفع الدعم عن النشاط اليساري، فكانت النتيجة فوز العمل الإسلامي البسيط والجديد على العمل اليساري المتجذر والمنظم.
وانتقل هذا النشاط ليصل كل جامعات مصر وظهر هذا النشاط الطلابي باسم الجماعة الإسلامية، وكان يغلب عليه كما يقول أبو الفتوح الطابع السلفي في الالتزام والفهم والسلوك.
ومما تتميز به هذه الشهادة تسليط الضوء على تجربة الجماعة الإسلامية في الجامعات المصرية، ولذلك نجد فيها الحديث عنها من زاوية شخصية، لكن إذا قارنّا هذه الشهادة بكتاب "الجماعة الإسلامية في جامعات مصر حقائق ووثائق" لبدر محمد بدر، زميل أبو الفتوح في الجامعة وجماعة الإخوان لاحقاً، وكذلك مقارنتها برؤية سلفية لنفس التجربة في كتاب "حديث الذكريات" للدكتور أحمد فريد أحد قيادات الدعوة السلفية بالإسكندرية، سنجد معلومات أخرى تكمل الصورة أهمها أنه نشأت عدة مجموعات طلابية في نفس الوقت بدون تنسيق وعلم في عدد من الكليات والجامعات، ونجد أيضاً إثبات بدر محمد الدور البارز لطلبة جامعة الإسكندرية في دعم وتقوية النشاط الطلابي الإسلامي وبلورة المفاهيم الصحيحة، ومعلوم أن جامعة الإسكندرية كانت مركز ثقل العمل الطلابي السلفي الذي سيعرف لاحقاً -عند تفرق الجماعة بسبب انضمام مجموعة أبو الفتوح للإخوان – بالدعوة السلفية بالإسكندرية التي خرج منها الآن حزب النور.
الانضمام لجماعة الإخوان: يشير أبو الفتوح إلى أنه بحكم دراسته للطب أتيح له مقابلة قادة الإخوان الذين سمح لهم السادات بالعلاج في المستشفيات خارج السجن قبل الإفراج عنهم، ومع احتكاكه من قبل بالدكتور محمد أبو الفضل، تبددت معظم الصورة الذهنية السلبية عن جماعة الإخوان والتى بثها عبد الناصر ونظامه في المجتمع المصري.
ومن خلال هذه الصلة كان الإخوان في السجون يعلمون بوجود عمل طلابي إسلامي بالجامعات، ولذلك عقب خروجهم مباشرة اتصلوا بهذا النشاط، وكان الأستاذ كمال السنانيري هو المكلف بذلك من الإخوان مع أبو الفتوح.
ولعل من أهم التفاصيل التي يؤكد عليها أبو الفتوح في هذه القضية أن قادة الإخوان كانوا حريصين على استيعاب هذا النشاط وضمّه إليهم، ولذلك جارى قادة الإخوان هؤلاء الشباب السلفي المتحمس في تكوينه العام بإطلاق لحاهم!! (ص 79)
يقول أبو الفتوح عنه وعن زملائه "حين بايعنا الإخوان لم نبايع تنظيماً قائماً في الواقع، وإنما بايعنا فكرة ومشروعاً وتاريخاً... إذ لم يكن هناك تنظيم إخواني بالمعنى الذي تعنيه كلمة تنظيم" (ص91)، ومن أجل هذا اعتبر بعض الباحثين أبو الفتوح المؤسس الثاني للجماعة بعد حسن البنا، لأنه ضم للإخوان تنظيماً شبابياً جاهزاً، ولم يكن على الإخوان إلا قيادته!!
ويقول أبو الفتوح إن تعرفهم بالبداية على الإخوان كان من خلال شخصيات النظام الخاص بالإخوان قبل التعرف على الشخصيات الإخوانية المعتدلة مثل عمر التلمساني، وأن هذا ساعد على تقبله لجماعة الإخوان بحكم تكوينه السلفي، لكنه سرعان ما سيبتعد عن الجناح القطبي في الجماعة ويندمج مع خط المرشد عمر التلمساني والذي لا يرضى بأفكار النظام الخاص، وسيعجب أبو الفتوح بالتساهل الذي يؤيده التلمساني في قضايا الغناء والتمثيل وهكذا، وهو ما سيكون منهج أبو الفتوح القادم.
لكن اللافت للنظر أن أبو الفتوح قرر ضم الجماعة الإسلامية للإخوان دون مشاورة كل زملائه في قيادة الجماعة، بل جعل ذلك قراراً سرياً بينه وبين بعض زملائه دون البقية، خاصة الذين كانت له هوية سلفية معلنة مثل محمد إسماعيل المقدم وأسامة عبد العظيم وأحمد فريد أو مَن غلبت عليهم الروح الجهادية مثل كرم زهدي وناجح إبراهيم، حيث كان الاتفاق مع الإخوان أن تنضم الجماعة الإسلامية سراً للإخوان دون إعلان، ويبقى الاتصال على مستوى القيادات، ولذلك شهدت الجماعة في هذه الفترة تزايد انتشار الأدبيات الإخوانية بين أفرادها، كما زادت محاضرات رموز الإخوان وقياداتهم دون إعلان صفتهم القيادية للجماعة الإسلامية، وهذا السلوك الأشبه بالصفقات من تحت الطاولة يعدّ من أخطاء العمل الإسلامي والتي – وللأسف منتشرة بكثرة- فيجب على الإخوان وأبو الفتوح الإقلاع عنه لكونه سلوكاً غير مقبول أصلاً، ولكونه يؤسس لمنهج منحرف في العمل السياسي الإسلامي اليوم.
تحولات الإخوان: من القضايا المهمة في شهادة أبو الفتوح هي تحولات جماعة الإخوان، حيث يبين أبو الفتوح أن جماعة الإخوان بعد إفراج السادات عن أفرادها بقيت طيلة السبعينات تضم تياري: النظام الخاص القريب من فكر سيد قطب وهو تيار طارئ على الإخوان، وتياراً آخر أقرب لفكر حسن البنا ويمثله المرشد التلمساني، وهو التيار الذي يمثله أبو الفتوح في الجماعة، والذي قد يكون هو سبب الخلاف الحقيقي بين أبو الفتوح والجماعة الآن، إذ أن الجماعة في تاريخها الطويل لم تنتقد أي موقف أو تصريحات لأبو الفتوح مهما أثارت جدلاً إلا في نقده لسيد قطب في بيت نجيب محفوظ!!
وجاء الصدام مع السادات بسبب معاهدة كامب ديفيد ليُدخل الجماعة السجون من جديد، مما تطلب إعادة بناء الجماعة في مصر من جديد بعد الخروج من السجن سنة 1982، في الوقت الذي كان بعض قادة الإخوان وخاصة مصطفى مشهور ومهدي عاكف وخيرت الشاطر الذين غادروا مصر قبل الاعتقالات يباشرون بناء التنظيم العالمي للإخوان.
ويقول أبو الفتوح إن الإخوان كانوا يرفضون التكفير دوماً، ويدلل على ذلك بكتاب "دعاة لا قضاة" للمرشد حسن الهضيبي، لكنّ نبذ العنف لم يحسم في الإخوان إلا في سنة 1984 حين قررت الجماعة المشاركة في انتخابات البرلمان بالتحالف مع حزب الوفد والمشاركة في العمل العام.
وأما نبذ الجماعة للعمل السري فكان في سنة 1987 بعد إصدار الجماعة لوثيقة "جماعة الإخوان جماعة علنية" من قبل مكتب الإرشاد.
لكنه يرى أن الجماعة لم تستقر فكرياً وتنظيمياً إلا في سنة 1989 بعد إجراء أول انتخابات لاختيار مسئولي الجماعة.
أما تأسيس منهج للتعامل مع القضايا التي يختلط بها الشرعي بالسياسي، فلم تتبلور فيها العلاقة إلا في سنة 1994 حيث تم دعوة عدد من العلماء لحضور مناقشات القسم السياسي بالجماعة بخصوص وثيقة موقف الجماعة من الشورى والتعددية الحزبية وعمل المرأة في السياسة.
خاتمة: هذه هي أهم المحاور التي عرضها أبو الفتوح في شهادته، وشملت جوانب من نشأته ومنهجه ورؤيته من الداخل لفكر وتطور جماعة الإخوان لأكبر التنظيمات الإسلامية العاملة في الساحة، وأعتقد أنها مهمة من حيث شخصية كاتبها وموقعه في العمل الإسلامي أو ترشحه لمنصب رئاسة مصر، ورغم أن هذه الشهادة منشورة منذ عامين إلا أن الجماعة أو أحد قياداتها لم يعترض عليها فيما أعلم.
عبدالمنعم أبو الفتوح.. شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر
2014/08/01
الرابط المختصر
Image