"لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم"

الرابط المختصر
Image
"لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم"

من العجيب أن تجد بعض أبناء المسلمين ممن قد يحمل اسم محمد أو أحمد يحاول عبثاً التشكيك بالسنة النبوية وأهميتها، فتجده يدبج المقالات تلو المقالات للتهوين من السنة النبوية ويسهر الليالي ليخترع حجة يصرف بها قلوب المؤمنين عن حب النبي صلى الله عليه وسلم وحب سنته، وبعضهم يشتط به الشيطان ليطعن في أهمية وجود النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، فيهرف أن محمداً بشر كسائر البشر، وأن وجوده وعدمه سواء. وهذه الكائنات تعجب من أي منطق ينطلقون، وإلى أي غاية يريدون الوصول بهذا الهراء، فلو تجاوزنا كون محمد صلى الله عليه وسلم هو نبينا الذي نؤمن به من الناحية الدينية، وإذا تجاوزنا أنه قائدنا القومي الذي صنع لنا المجد والسؤدد في تاريخ البشرية من الناحية العروبية، فليكن لكم إنصاف العقلاء من الأمم والأديان الأخرى تجاه محمد صلى الله عليه وسلم. فهذا فيلسوف البريطانيين برنارد شو يؤلف كتاباً أسماه (محمد)، يقول فيه: "إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، وإنّ رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجةً للجهل أو التعصّب، قد رسموا لدين محمدٍ صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية، لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل يجب أنْ يسمّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها". أما مايكل هارت في كتابه "الخالدون المئة" فقد جعل على رأس المئة محمدا صلى اللَّهُ عليه وسلم، وقال: "لقد اخترت محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أول هذه القائمة ... لأن محمدا عليه السلام هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحا مطلقا على المستوى الديني والدنيوي، وهو قد دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات وأصبح قائدا سياسيا وعسكريا ودينيا، وبعد 13 قرناً من وفاته، فإن أثر محمد عليه السلام ما يزال قويا متجددا". وعلى نفس المنوال يقول تولستوي الأديب الروسي العالمي: "يكفي محمداً فخراً أنه خلص أمةً ذليلةً دمويةً من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم، وأنّ شريعةَ محمدٍ، ستسودُ العالم لانسجامها مع العقل والحكمة". فيا ليت كان لأبناء المسلمين هؤلاء عقل كعقل هؤلاء العقلاء من غير المسلمين، والذين لم يتكبروا عن الاعتراف بأهمية وتميز دور النبي صلى الله عليه وسلم، ليس للعرب فحسب، بل للعالم والبشرية جمعاء، وليس لوقته وعصره فقط، بل للمستقبل أيضاً. وبعد أن تبين للجميع اتفاق العقلاء والمنصفين أن البشرية قديماً وحاضراً ومستقبلاً مرهونة سعادتها باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وأن حقيقة هذا الاتباع هو مطلق التسليم لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي قرآناً وسنة. فإن هذه الحقيقة قد سجلها القرآن الكريم في قوله تعالى: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم" (التوبة: 128)، يقول العلامة ابن عاشور في تفسيره (التحوير والتنوير): الخطاب بقوله: جاءكم وما تبعه من الخطاب موجه إلى جميع الأمة المدعوة للإسلام. وقال تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" (الأنبياء: 107)، في وصف غاية بعثة النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحرص والرحمة من النبي صلى الله عليه وسلم على البشرية جمعاء، له مظاهر عديدة: حرصه ورحمته على البشرية من الضلال في الدنيا وعبادة الآلهة الزائفة، والتي جلبت للبشرية الدمار والخراب، بخلاف توحيد الله عز وجل الذي جلب السعادة والرحمة للجميع المؤمنين وغير المؤمنين بشهادة المنصفين من كل الأمم. حرصه ورحمته على البشرية من العذاب في الآخرة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "ما تركت من شيءٍ يقربُكم إلى الجنةِ إلا وقد حدثتكم به، ولا تركتُ من شيءٍ يبعدُكم عن النارِ إلا وقد حدثتكم به"، وهذا يتضح من مطالعة الأحاديث النبوية في التحذير من سيئ الأعمال، والحث على فضائل الأعمال. ومن حرصه ورحمته بالبشرية أن جميع السنن النبوية التي أرشد لها وحث عليها، أو الأفعال والسلوكيات التي نهى عنها وزجر، كلما تقدم العلم وتطور نجد أن ما أمر به صلى الله عليه وسلم يحتوي على مصالح دنيوية للبشرية في صحتها ومعيشتها، وأن ما نهى عنه يضر بها، وهذا شامل في سننه صلى الله عليه وسلم من سنن النوم على الجانب الأيمن ونفض الفراش، فقد ثبت عند الأطباء أن النوم على الجانب الأيمن أفضل للدورة الدموية وضخ القلب، ونفض الفراش ثبت أنه مفيد جداً للتخلص من الخلايا الميتة الساقطة من بدن النائم، وأن نفض الفراش أفضل حل للتخلص منها!! ومثله نهيه صلى الله عليه وسلم عن التداوى بالخمر، وقوله: "هي بداء وليست بدواء" رواه مسلم، وهو ما يقر به العلم الحديث من أن الخمر تسبب الكثير من الأمراض، ولا تعالج شيئاً!! ومن حرصه ورحمته بالبشرية اهتمامه بالضعفاء من الأطفال والنساء والمسنين والمرضى والأرامل والأيتام وحتى الحيوانات، وجعل هذا منهج حياة للمؤمنين الصادقين. وبعد هذا كله فإن قيام البعض من أمة الإسلام بالتهوين من السنة النبوية وتعلمها والتمسك بها، لهو جريمة بشعة في حق أفضل البشر، ولهو جريمة في حق البشرية، بمنع العلاج الشافي عنها، فها هو العالم تستفحل فيه الأمراض النفسية والعضوية ويفتك به القلق والاكتئاب وتسود فيه الصراعات والنزاعات برغم شعارات السلام والعدل وهيئات الأمن والمحاكم الدولية. وليس لها من علاج إلا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم والتسليم للوحي الرباني قرآناً وسنة، ففيها التحرر من عبودية الآلهة الزائفة كالقوة والمال والشهوة والشيطان وإن تسترت أحيانا بواجهات جيدة، وفيها معرفة الطريق السليم للسعادة في الدنيا على صعيد علاقة الإنسان بخالقه وأخيه الإنسان والكون. ومن تمسك بالمنهج النبوي يجد التكامل الإيجابي بينه وبين الكون وبين الآخرين وبين الشريعة، وفيه أيضا معرفة الطريق الوحيد الموصل للجنة في الآخرة.       "