عَقدت جمعية المكنز الإسلامي مؤخراً المؤتمر الأول لخدمة السنة النبوية بعنوان "السنة النبوية بين الواقع والمأمول" بالقاهرة (15-17 يناير/ كانون الثاني) بالأزهر وتحت رعاية شيخ الأزهر أحمد الطيب، وقد قُدِّم في المؤتمر ثلاثون بحثًا علميًّا تناولت محاور المؤتمر وأهمها: منهج تحقيق كتب الحديث الشريف قديما وحديثا، أهمية جمع المخطوطات في تحقيق كتب السنة وضوابط اختيارها، الطباعات التجارية لكتب السنة وأضرارها، الأعمال الموسوعية وأهميتها في خدمة السنة النبوية، أثر التقنية الحديثة في خدمة السنة النبوية، دور السنة النبوية في تأصيل الوسطية والاعتدال فكرا وسلوكا، مواجهة الشبهات المعاصرة حول السنة والسيرة النبوية. وكانت أبرز التوصيات التي خرج بها المؤتمر: 1- عقد ندوة تجمع كبار علماء الحديث ومحققيه, لوضع قواعد متفق عليها لتحقيق مخطوطات الحديث وعلومه. 2- يوصي المؤتمر بإنشاء مجمع لكبار علماء الحديث من شتى الأقطار العربية والإسلامية تحت مظلة الأزهر الشريف, لمناقشة القضايا المتصلة بالسنة النبوية حاضرًا ومستقبلاً. 3- العمل على الاعتناء بمؤلفات تجمعُ الأبواب الفقهية من كل مصادر السنة في كل مسألة من المسائل الشرعية. 4- اعتبار الصحيحين حِمىً غيرَ قابل للطعن فيه بأي حال من الأحوال. 5- التأكيد على أن باب الاجتهاد في الحكم والتعليق على أحاديث غير الصحيحين بابٌ مفتوحٌ لعلماء الأمة المتخصصين بشرط امتلاك ملكات ذلك الأمر, وتطبيق القواعد المتبعة فيه تطبيقًا علميًّا دقيقًا. يأتي هذا المؤتمر في مرحلة هامة في تاريخ الأمة الإسلامية حيث نشهد حالة من الإجماع عند الأمة بالانحياز للخيار الإسلامي، ومعلوم أن الخيار الإسلامي نابع من القرآن والسنة، ولذلك فإن الاهتمام بشأن السنة النبوية وتمييز الصحيح منها واعتماده ونشره بين الأمة هو أمر هام جداً. وأهمية المؤتمر تأتي أيضاً من تحذيره من الدعوات الباطلة والهدامة والتي تحارب الإسلام والسنة بشعارات وعناوين إسلامية، وعلى رأس هذه الدعوات الباطلة مَن يسمون أنفسهم بالقرآنيين، وقد تناولت عدة أبحاث ومداخلات فضح هؤلاء الضالين والمحاربين للقرآن والسنة. وهؤلاء القرآنيون يزعمون اتباع القرآن فقط ونبذ السنة النبوية، وهو منهج منحرف وضال لا يقبله القرآن الكريم، فآيات القرآن كثيرة في الحث على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والتمسك بسنته، منها قوله تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" (الحشر 7)، (يا أيها الذين آمنو أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر" (النساء 59)، "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" (النساء 65)، وغيرها من الآيات. أما في السنة النبوية فقد حذّرَنا النبي صلى الله عليه وسلم من نبذ سنته وعدم توقيرها فقال: (إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوماً فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني وإني أنا النذير العريان فالنجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق) رواه البخاري. وفي البخاري أيضاً عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا: يارسول الله ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى)، وروى ابن ماجه عن المقدام بن معد يكرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك الرجل متكئا على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله عزوجل، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله). وقد نقل علماء الإسلام الإجماع على التقيد بسنة النبي صلى الله عليه وسلم مع القرآن، فقال الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه الأم: "لم أسمع أحداً نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم، يخالف في أن فرض الله عز وجل اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والتسليم لحكمه، وأن الله عز وجل لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن ما سواهما تبع لهما، وأن فرض الله علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحد لا يختلف، في أن الفرض والواجب قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقال أيضاً رحمه الله: "أجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس"، وقال الإمام ابن حزم عند قوله تعالى: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر" (النساء 59)، قال: "الأمة مجمعة على أن هذا الخطاب متوجه إلينا وإلى كل من يُخْلَق ويُرَكَّب روحه في جسده إلى يوم القيامة من الجِنَّة والناس، كتوجهه إلى من كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل من أتى بعده عليه السلام ولا فرق". فدعوى الاكتفاء بالقرآن دعوة باطلة تخالف القرآن نفسه وتخالف السنة وتخالف إجماع الأمة، وتبطل الشريعة – وهو مقصود القرآنيين – فإننا لا نجد في القرآن تفاصيل الوضوء والصلاة والزكاة والصوم والحج!! ولولا السنة النبوية لما عرفنا كيف نتوضأ ونصلي ونزكي ونصوم ونحج! ولو كان القرآن كافياً للمسلمين دون بيان النبي صلى الله عليه وسلم، فلماذ أرسل الله عز وجل محمداً عليه الصلاة والسلام إذاً؟؟ ولماذا لم ينزل القرآن فقط دون حاجة لرسول؟ وضلالة الاكتفاء بالقرآن عن السنة ضلالة قديمة أبطلها الشافعي (توفي204هـ) في كتابه الأم، وظهرت عدة مرات في التاريخ الإسلامي وأبطلها العلماء، وفي الوقت المعاصر كان للإنجليز في الهند الفضل في عودتها من خلال دعم بعض المنحرفين أمثال: أحمد غلام القادياني، السيد أحمد خان، عبد الله جكرالوي، وغيرهم، وقد تلقفها بعض العرب المعاصرين. ومن هنا أتى المؤتمر في وقته تماماً، فالمسلمون اليوم يحتاجون لحشد طاقاتهم لبناء نهضتهم وقوتهم انطلاقا من الإسلام، وافتعال معارك وهمية حول مرجعية السنة النبوية هو تشتيت للجهود وبعثرة للطاقات. كما أننا لسنا بحاجة اليوم لفتاوى العلمانيين من اليساريين والليبراليين في أحكام الشريعة، فكما أننا نتفق جميعاً أن الطب والهندسة وما شابه لا يفتي فيها إلا المتخصصون بها، فكذلك الإسلام لا يفتي به إلا المتخصصون به، وبهذا تستقيم المسيرة ونصل لغاياتنا بالنهضة والرفعة.
مرجعية السنة النبوية
2014/06/01
الرابط المختصر
Image