" أمتنا كعربة في أسفل وادي ، لكن هل هذه العربة تسير إلى الأسفل أم هي في طريقها للصعود ؟ " هذا مثل ضربه أحد العلماء قبل ربع قرن في حوار مع أحد الشباب المتحمس لنصرة أمته ، تذكرت هذا المثال وأنا أستمع للمفكر الدكتور عبد الكريم بكار على قناة الناس وهو يؤكد أن أمتنا في حال أفضل بكثير مما يظن كثير من المسلمين ، ود. بكار يؤكد هذا الرأي بالرغم من تأليفه كتاب " نحو فهم أعمق للواقع الإسلامي " والذي خصصه لبيان حقيقة واقع أمتنا الإسلامية في كافة المجالات وحشد فيه الأرقام والإحصاءات عن مستوى انتشار الأمية والصحة والتكنولوجيا والفقر والمديونية وحال الزراعة والصناعة . ودلل د. بكار على رأيه بأن واقع أمتنا اليوم في نواحي التدين والعلم والمعرفة والإقتصاد والصحة والأمن والإستقلال هو أحسن بما لا يقاس بما كانت عليه أمتنا في العقود السابقة ، وأن هذه الأفضلية ليست تعنى الكمال والتمام . ورغم ما تواجهه الأمة من مصائب وعقبات سياسية وإقتصادية ومعرفية ، لكنها أفضل مما كانت عليه ، كما أن هذه المصائب تصيب جزاء بسيطا من مجموع الأمة ، وليس من الصواب أن نرهن حال المجموع العام لحال البعض على أهميته . وأعتقد أن هذا الرأي صائب وصحيح ، فحتى المصائب والعقبات التي تواجهها الأمة تواجهها بواقع أفضل بكثير مما كانت تواجه به مصائبها ومصاعبها في السابق ، فروح الجهاد والمقاومة حلت محل روح الإستكانة والتخاذل ، وأصبحت وروح المشاركة والتعاطف تعم الأمة وحلت محل السلبية والإنزواء ، وفتحت مجالات العمل والإيجابية فأصبحت أكثر تنوعاً أمام الراغبين بنصرة الأمة وقضاياها . قد لا يوافق على هذا الرأي من لم يقف على واقع أمتنا في عصور سابقة ، فمن يطالع حقبة غزو التتار للأمة وكيف كان حالها من الإستخذاء والخنوع بسبب شيوع عقائد وأفكار فاسدة في أوساط المسلمين من ترك الجهاد بدعوى الرضى بقدر الله !! أو ما أشاعته الصوفية من أن مقاومة التتار تكون بقراءة صحيح البخاري في المساجد !! وكيف أن الرهط من الرجال المسلمون كانت تأمرهم امرأة تترية بانتظارها لتحضر السيف لتقتلهم ، فيقفون منتظرين ويبقون يشاهدون قتل بعضهم ولا يتحركون !! ومن اللافت للنظر أن سبب غزو التتار للمسلمين هو تهور وغرور سلطان خوارزم حين قتل رسل ملك التتار دون سبب مشروع ، فستثارهم على بلاد المسلمين ، وهذا يشابه ما حدث في أحداث 11/9 من استثارة أمريكيا على بلاد المسلمين !! كما أن المطالع لتاريخ الدويلات في الأندلس وما جرى فيها من تناحر وتقاتل على الملك والحكم بين الإخوة وتعاون مع الأعداء ، وتفشى الانحلال والفجور في أوساط الحكام والشعوب ، إذا قارنه بحال مصائبنا اليوم يدرك مقدار الفارق بين الحالين . ومن تعرف على حال أمتنا قبيل مرحلة الإستعمار يذهل من حجم المأساة التي عاشتها أمتنا في تلك المرحلة من تفشي الجهل ، حتى أن الرحالة السويسري جون بيركهارت يذكر أنه زار حلب وهي مدينة كبيرة سنة 1809م فلم يجد فيها من يحسن العربية الفصحى إلا ثلاثة أشخاص !! وهذا كان حال المغرب العربي أيضاً فقد قام مشروع ابن باديس على محاربة الجهل والأمية لأنها سبب بقاء المحتل ، ومن المعلوم أن الطرقية الصوفية في الجزائر وفي كل مكان جنت على أمتنا بحربها للعلم ونشرها للخرافة تحت شعار " حدثنى قلبي عن ربي " و " أخذتم علمكم عن الورق وأخذنا علمنا عن الخِرق " !! كل هذا لا يعنى أن نغلق أعيننا عن مشاكل الحاضر الذي نعيشه ، فلازالت فلسطين محتلة و بيد اليهود ولا زالت كثير من الأقاليم و الأقليات المسلمة تعانى الظلم تحت الأنظمة الشيوعية واليسارية وغيرها في جمهوريات روسيا والصين وبورما والفلبين و تايلند و كوسوفا وغيرها . ولا زال العراق وأفغانستان يعانيان من احتلال أمريكا وإيران . ولا زالت الأمية في عالمنا العربي منتشرة وتقدر بـ 45 % وفي العالم الإسلامي 58 %. ويتبع ذلك ضعف الإنفاق على البحث العلمي وهجرة العقول للخارج . كما أن واقع الفقر لا يزال كبيراً في العالم العربي والإسلامي ، فبعض الإحصاءات تشير أن حوالى 24 دولة إسلامية يسكنها نصف أعداد المسلمين في العالم تصنف مع الدول ذات الدخل المنخفض التي لا يتعدي دخل الفرد فيها 400 دولار بالسنة !! يجب أن نعرف واقعنا بحلوه ومره ، لكن لا يجب أن يسيطر علينا اليأس والقنوط والنظرة السوداء ، فقد قطعت الأمة أشواط جيدة في واقعها السيء ، فرغم أن نسبة الأمية 45 % اليوم إلا انها كانت تصل إلى 95 % !! ورغم الفقر الذي يعيشه نصف المسلمين اليوم فقد كان اكثر النصف الثاني أيضاً فقراء ، ورغم استمرار احتلال فلسطين والعراق فقد استعمرت أمتنا كلها سابقاً سوي السعودية وأفغانستان !! فهل ندرك أن أمتننا في عربة تسير إلى الأعلى ، فنعمل على إزالة العوائق من أمامها وتمهيد الطريق لها ، وتجنب التهور والحماس – ولو بحسن نية - الذي لا ينتج سوى دفع عربتنا إلى الأسفل .
أمتنا أين ؟
2014/08/01
الرابط المختصر
Image