إذا كنت في نعـمة فارعهـا فإن المعاصي تزيل النعم وحُطْها بـطاعة رب العباد فرب العـباد سريع النقم وإياك والظلم مهما استطعت فظـلم العباد شديد الوخم لعل هذه الأبيات تفسر لنا ما لا نستطيع ملاحقته من أحداث كبرى بسقوط بعض الظلمة من أصنام السلطة في بلاد الإسلام، بطريقة لم تكن بالحسبان ولم تسبقها دلالات ومؤشرات، وكأنها تجسيد لقوله تعالى: " حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا " (يوسف،110). ونلحظ أن ما جرى في تونس ومصر وليبيا كان بسبب القهر الذي سبقه الفقر، هذا القهر الذي ضرب أطنابه بسبب ميل بعض الشعب لمداهنة السلطة على حساب الشعب من جهة، ومن جهة أخرى بسبب انشغال بعض آخر من الشعب بالملهيات والمعاصي التي تروجها السلطة ويرغب بها الجمهور من مهرجانات واحتفالات وبرامج ترفيهية ورياضية وحتى دينية !! مما يفتح المجال للسلطة وأعوانها من الإنفراد بخيرات البلاد والتحكم برقاب العباد، فيسود الفساد ويتضخم الفقر حتى يطول غالب المجتمع، وهو ما حذر منه تعالى في قوله: " وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون "(النحل، 112). والكفر بأنعم الله يشمل تصرفات الحاكم والمحكوم، فظلم الحاكم لرعيته وعدم عدله بينهم وفساده في التصرف بأموال الدولة يجلب الفقر ومقت الشعب، مما يدخل المجتمع في دوامة الفقر والعصيان. كما أن فساد الرعية بظلمها لبعضها البعض على مستوى الأسرة والعمل والعلاقات الإجتماعية كالغش في التعامل التجاري أو التعليمي أو الأسري أو كخيانة الأمانة في الوظيفة أوالمواصفات الفنية والصحية، فضلاً عن انتشار المعاصى كالزنا والخمر على المستوى الفردى أو المؤسسي عبر الخمارات والحانات والملاهي وما شابه ذلك، كل هذا يجلب غضب الله عز وجل فيعاقبها بالفقر ومن ثم الخوف. وهذه الرؤية الإسلامية قد لا تتقبلها عقول بعض ضعيفي الإيمان وعديميه، لكن أليس قد ثبت للجميع أن هذه المعاصي وخاصة الزنا والخمر وما يلحق بها من المخدرات والشذوذ قد جلبت عبر التاريخ الأمراض الفتاكة، وكلما ابتدعوا معصية جديدة عاجلهم الله عز وجل بالعقوبة بمرض لم يعهد من قبل !! وأليس ثبت علمياً أن كثيراً من تصرفات الإنسان بدوافع مادية واستهلاكية كانت وراء كثير من اضطراب البيئة في العالم، فكم من حيوانات تكاد تنقرض بسبب رغبة البعض بفرائها، أو مياه البحار التي تتلوث والسماء التي ترتفع حرارتها بسبب المصانع التي تلهث لتلبية الإستهلاك المفرط وغير المفيد !! فكما أن تصرفات الإنسان تأثر في الصحة والبيئة وغيرهما، فإنها أيضاً تؤثر في شيوع حالة الفقر والظلم والخوف. ومن هنا فإن العاقل من اتعظ بغيره، ونحن هنا في الأردن لابد لنا من أخذ العبرة مما حولنا حتى نوفر على أنفسنا آلام ومفاسد يمكننا جميعاً تجنبها، وهذا سيحدث فقط في حالة صدقت مواقفنا مع الله عز وجل أولاً ثم مع أنفسنا ومع مجتمعنا ثانياً. إن مما يجب تذكره أننا في الأردن في نعمة تستحق شكر الله عليها والمحافظة عليها والعمل على تنميتها وإزالة كل ما يضر بها، هذه النعمة يعرفها كل من سافر خارج الأردن وقارن بين الأردن وغيرها من ناحية التقدم والأخلاق العامة والأمن والإستقرار والخدمات، وهذا يشهد به كثير من زوار الأردن، بعبارة عامية "إحنا بلد" يفتخر به الحاكم والمحكوم. ولكن هذا لا يعني عدم وجود سلبيات قديمة وسلبيات جديدة تشكل تهديداً حقيقياً إن تم تجاهلها على طريقة كنسها تحت السجادة وعدم معالجتها بشكل جذري. وأكبر هذه السلبيات هي: تعاظم مسيرة المعاصي في مجتمعنا من قبل الجميع، والمعاصي لا تقتصر على شرب الخمور والزنا بل تشمل الظلم والسرقة والغش والفساد وعدم اتقان الوظيفة أو العمل أو الحصول على منح ومكتسبات بغير وجه حق أو الاستهانة بتخريب الممتلكات العامة وغيرها كثير، كلها معاصي يشملها قوله تعالى " كفرت بأنعم الله ". وعلى الجميع أن يسرع إلى التخلص من هذه المعاصى بحسب مسؤوليته وقدرته، وإلا فإن العقوبة تعم الجميع كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً فاستقينا منه ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكو جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً " رواه البخاري. ومن المعلوم أن الإصلاح لابد أن يكون بطريق الإصلاح وليس بالفوضى والتخريب، وما أجمل الصورة التي ظهر بها الأردن قبل أسبوعين حين قدم المتظاهرون والشرطة صورة نموذجية لما يحلم العقلاء أن تكون دوماً علاقة الطرفين، وما أبشع صورة الأسبوع الفائت والتي استنسخت (يوم الجمل) المصري البائس. ولعل في ما روي من قصة اليهودي الذي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وجذبه من ردائه بشدة وطالب النبي صلى الله عليه وسلم بسداد ما عليه من دين لليهودي، فقام عمر ابن الخطاب يريد أن يقتله لسوء أدبه مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " يا عمر أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا, أن تأمرني بحسن الأداء, وتأمره بحسن اتباعه (أي المطالبة)"، ففي هذه القصة بيان بوجوب حسن أداء الإنسان ما عليه من حقوق والتزامات ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، ولو كانت هذه الحقوق ليهودي أيضاً، وفيها كذلك ضرورة أن يلتزم صاحب الحق بحسن طلب حقه، فلا يجوز كونك صاحب حق أن تتجاوز العدل في طلب حقك. وتبقى قضية مهمة وهي أن هناك الكثير من الناس في المجتمع لا يقبلون بكثير من حلول السلطة ولا المعارضة – خاصة الأحزاب – في نقاط الخلاف، لأنهم ربما يخالفون الطرفين في طرحهما ولكنهم لا يملكون قناة لإبداء رأيهم، فاختصار المجتمع في دائرة تضم السلطة والأحزاب والنقابات ليس بصواب، ويكفي هنا أن نلاحظ مثلاً دور المنظمات النسائية وكيف أن لها نوع حضور وهي ليست من هذه الدائرة، كما أن في بعض المواقف يتم إشراك جهات أخرى مثل العشائر أو العلماء أو الطلبة وهكذا. فلا بد من تطوير آليات لإفساح المجال لهذه الشرائح وأمثالها من المساهمة في نهضة المجتمع وحماية الوطن. وختاماً نحن في نعمة فلنحافظ عليها وننميها، ولا تصلوا بنا لمعادلة الظلم أو الفوضى، ولتكن غايتنا العدالة التي تجلب النظام.
إذا كنت في نعمة فارعها
2014/08/01
الرابط المختصر
Image