تجدد الإساءة لمقام النبي صلى الله عليه وسلم يدل على خلل وقصور في علاج هذه الجريمة القبيحة، وقديماً قيل "من أمن العقوبة أساء الأدب" وهذا حال كل من تطاول على مقام النبي صلى الله عليه وسلم فلولا تأكدهم من عدم المحاسبة الرادعة لما تجرؤا على ذلك قبحهم الله . ومن أوجه القصور في علاج هذه الجريمة عدم التنسيق بين الجهود الرسمية والشعبية، لتشكل بمجموعها أداة ضغط فاعلة على صناع القرار المعنيين بالموضوع. وذلك أن دعوات التهدئة والتعقل التي يطلقها المسؤولون واللجوء إلى التحكم بردات الفعل لن تجدي، ما لم تكن هناك معالجة جادة وحقيقية تؤتى أكلها، وإلا كانت هذه المطالبات بالتعقل سبب لمزيد من الطيش والتهور، بسبب عدم توقف الإساءة وتكرارها بأبشع مما سبق، فضلاً عن رمي الجهات الرسمية بالتقصير على الأقل إن لم تكن بالتواطؤ والتخاذل والعمالة ! كما أن تعدد المعالجات الشرعية وتناقضها أدى إلي تمييع المطالبات وبعثرتها، كما حدث حين تعجل وانفرد بعض الدعاة الشباب – عمرو خالد، طارق سويدان، على الجفري – عن سائر العلماء والدعاة والهيئات الشرعية بفتح باب الحوار مع الدنمارك، مما كان له أثر سيء جعل حتى الشيخ القرضاوي - على قربه منهم - أن يعاتبهم وينتقدهم علناً على تصرفهم المنفرد . و للأسف لم يشكل هذا التصرف المنفرد تجربة يستفيد الجميع منها، فبعد مدة قصيرة وفي مؤتمر البحرين لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم، حدث مرة أخرى تصرف منفرد بإنهاء المقاطعة عن شركة "أرالا" دون اتفاق على ذلك مما حدا ببعض العلماء لإصدار بيان يرفض فيه رفع المقاطعة عن هذه الشركة وغيرها من الشركات الدنماركية. ولذلك ما لم يتم معالجة هذين الجانبين وهما إيجاد آلية عملية ومميزة للتنسيق بين الجهود الرسمية والشعبية من جهة، وتناغم وتناسق الجهود الشرعية من جهة أخرى لن يتم الوصول للنتائج المطلوبة من ردع هؤلاء المجرمين. ومما يجب هنا مراجعة "سلاح المقاطعة " فلا يكون هو الوسيلة الوحيدة ولا يهمل بالكلية، بل تكون هناك آلية واضحة لتفعيله بما يحقق المصلحة، فالمقاطعة تجدى مع بعض الدول دون أخرى، كما أننا نتمكن بسهولة عن الاستغناء عن منتجات بلد دون أخر، وقضية تضرر بعض التجار يمكن وضع حلول لها كجعل المقاطعة بعد أسبوع مثلاً مما يساعد على نفاذ المخزون منها لدى التجار، فلا نقدم مصلحة بعض التجار على مصلحة الأمة. مما يجب التنبه له أن الإساءة لمقام النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن من جهة واحدة بل من جهات متعددة، فقد صدرت الإساءة من الملاحدة في أوربا – لا تتجاوز نسبة من يؤمنون بوجود إله في أوربا 15%- وهذا يفسر عدم اكتراث الشارع والحكومات الأوربية بهذه الإساءة للمقدسات، كما أن بعض المحسوبين على أمة الإسلام – من اليساريين والحداثيين - يمارسون هذه الإساءة بشكل مباشر أوغير مباشر، كما حدث في مصر والسودان من تطاول بعض الكتاب مقام على النبي صلى الله عليه وسلم، أو معاودة نشر الرسوم الدنماركية المسيئة، ومن أساء للنبي صلى الله عليه وسلم البابا في محاضرته الشهيرة العام الماضي، وكذلك ما يقوم به القس زكريا بطرس في الفضائيات التبشيرية . ولذلك يجب أن تكون المعالجة شاملة لجميع المعتدين على مقام النبي صلى الله عليه وسلم ولا تقتصر على جهة دون أخرى، أو تحميل جهة وزر جهة أخرى، كما يراد لها أن تكون بداية صراع إسلامي – نصراني يلهى الطرفين عن موجة الإلحاد القادمة تحت شعارات براقة. ويجب أن تبدأ المعالجة والعقوبة الرادعة لمن هم محسوبين على أمة الإسلام، بإصدار وتفعيل التشريعات اللازمة والتي تنص على حرمة مقام النبي صلى الله عليه وسلم ،وعدم الاكتفاء بالألفاظ العامة التي يندرج تحتها مقام النبوة؛ لنكون قدوة للعالم حين نطالب بتشريعات عالمية تجرم التطاول على النبي صلى الله عليه وسلم وسائر إخوانه الأنبياء. وهنا يجب أن نركز في خطابنا مع العالم أن ما نطالب به من تجريم وعقوبة للتطاول على مقام النبوة لا يقتصر على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بل هو يشمل سائر الأنبياء وخاصة عيسي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن الاعتداءات التي يقوم بها الملاحدة واليهود في الغرب بحق عيسي عليه السلام مما تقشعر له الأبدان، وهو مما يرفضه كل مسلم وموحد لله عز وجل، والحقيقة أن الكنيسة – لضعفها في أوربا- بحاجة لموقف جاد من المسلمين حكومات وشعوب لتوقف هذا الاعتداء الآثم على نبي الله عيسي عليه السلام. كما أن تذرع المؤسسات الرسمية بالغرب عن عدم التدخل بأن هذه حرية رأي وتعبير، دعوى كاذبة يجب أن يعرى فيها النفاق والخداع، بمناظرة علنية حول حدود حرية الرأي والتعبير وهل هي مطلقة أم لها ضوابط ومعايير؛ ولذلك مما يسجل للصحافة الأمريكية أنها لم تتورط في هذه الحملة الدنيئة على النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها رفضت أن تعتبر هذا من حرية الرأي والتعبير !! من أجل هذا يجب التركيز على كسر هذه الحجة الواهية بأمثلة من واقع الغرب الذي يحجر الرأي على كثير من القضايا وعلى رأسها قصة "الهولوكوست"، ودون الخوض في تفاصيل إثباته أو نفيه، يظل من الضعف بمكان أن لا يستطيع مؤيدوه إثبات هذه الواقعة التاريخية المعاصرة في نقاش علمي حر، مما ألزمهم سن قانون يجرم التشكيك فيه!! ونحن المسلمون ندعوا جميع العالم للحوار والنقاش حول نبوة ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وبشكل علني وواضح ولا شيء عندنا في سيرته صلى الله عليه وسلم أو دعوته نخجل منه أو نخفيه، ولكن ما نرفضه و نطالب بتجريمه هو سبه أو شتمه أو السخرية والاستهزاء به . ولهذا فنحن لا نقبل أن يكون مقام النبي صلى الله عليه وسلم بأقل من شأن تجريم التشكيك "بالهولوكوست". وأتعجب هنا من خرس ألسنة العلمانيين اليساريين الذين يتشدقون بحب الإسلام وتبجيله عن إدانة هذه الاعتداءات والجرائم النكراء بحق النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنهم لا يجيدون الدفاع والمنافحة إلا عن من يرتع في الموبقات والفواحش ويتطاول على المقدسات !!! ولذلك تجدهم لا يعرفون حرية الرأي والتعبير إذا كانت في نصرة أمر شرعي كحق ارتداء الحجاب أو التدين أو الدفاع عن سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم. الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم واجب شرعي على الجميع كما هو واجب وطني، ودفاعنا عما نحترمه يجعل العالم بأجمعه يحترمنا لأن لنا ما نحترمه، كل بحسب طاقته وهو لا يتحقق إلا بسد خلل الماضي والتعاون من جميع الأطراف، ورغم أن ما حدث هو إساءة كانت بهدف إضعاف المسلمين وإذلالهم إلا أنها أيضاً أحيت حب النبي صلى الله عليه وسلم في قلوب كثير من المسلمين.
مقام النبي صلى الله عليه وسلم لا يقل عن " الهولوكست "
2014/08/01
الرابط المختصر
Image