العلامة رشيد رضا والخطر الصهيوني

يعد العلامة محمد رشيد رضا (1282-1354هـ/ 1865-1935م ) من أهم الشخصيات الإسلامية التي أسست لمسيرة الدعوة والإصلاح الإسلامي المعاصر، فقد كان من الزعماء البارزين الذين أثروا على مجرى الأحداث من خلال مشاركته المباشرة في الشؤون العامة لكافة قضايا الأمة الإسلامية من الهند وحتى موريتانيا، كما أن مجلته "المنار" والتي استمرت بالصدور لمدة 37 عاماً (1898-1935م) كانت تعتبر وزارة الإعلام والتثقيف للأمة الإسلامية كافة، المستشرق هاملتون جب لخص لنا مكانة وتأثير المنار وصاحبها رشيد رضا حين قال: "ولم يشرق منار الإسلام على المصريين وحدهم، ولكنه أشرق على العرب في بلادهم وخارجها وعلى المسلمين في أرخبيل الملايو الذين درسوا في الجامعة الأزهرية، وعلى الإندونيسي المنعزل الذي ظل محافظًا على علاقاته بقلب العالم الإسلامي بعد عودته لبلاده النائية.. وقد أصبح الذين اقتبسوا من نور المنار منارات صغرى في إندونيسيا بعد أن عادوا إليها…". وكان من القضايا الكبرى التي أولاها العلامة رشيد رضا عناية خاصة قضية فلسطين وخطر المشروع الصهيوني على فلسطين والعرب، بل كان العلامة رشيد رضا أول من خطب وكتب محذراً من هذا الخطر الداهم من الإسلاميين، في الوقت الذي تساهل وتسامح فيه العلمانيون مع المشروع الصهيوني كما ترصد ذلك دراسة " الصحافة الصهيونية في مصر 1897-1954" بحسب د.محمد عمارة في ترجمته لرشيد رضا في كتابه" من أعلام الإحياء الإسلامي"، ولو جمعت مقالات رشيد حول فلسطين والخطر الصهيوني لبلغت أكثر من مجلد، ويمكن إجمال أهم مواقف رشيد رضا من المشروع الصهيوني التي وثقها د.عمارة، بما يلي: - تنبيه في نوفمبر سنة 1910 م على الخطر الصهيوني لأن هدفهم " أن يملكوا بيت المقدس وما حوله ليقيموا فيه دولة إسرائيل ". - بين رشيد رضا أن هدف إقامة كيان يهودي صهيوني في فلسطين هو جعل هذه المنطقة من البلاد "يهودية –بريطانية" فاصلة بين عرب مصر وعرب سوريا والعراق" وذلك في أكتوبر 1928، مما لفت الأنظار إلى مخاطر إقامة هذا الكيان الصهيوني بفلسطين على الوحدة العربية والإسلامية وذلك بإقامة الجسم الصهيوني العازل بين أجزاء الوطن العربي. - كتب رشيد رضا سلسلة مقالات في المنار إبان "ثورة البراق" 1929م، حلل فيها مخاطر الصهيونية ومشروعها الاستيطاني الاستعماري على الشرق والعرب والمسلمين.. حيث كتب " إن اليهود من قواعد شريعتهم أن يستأصلوا القوم الذين يغلبونهم على أمرهم حتى لا يستبقوا منهم نسمة ما ومن الحقائق الثابتة الخفية إن "الجمعية الماسونية " التي شلت عروش الحكومات الدينية من أمم أوروبا والترك والروس هي من كيد اليهود.... ولقد استخدم اليهود دول النصارى فظاهرتهم على المسلمين وأسسوا الجمعية الصهيونية للسعي إلى ذلك بقوة المال اليهودي... ولهم بهذا المال من النفوذ والصحف والقدرة على الدعاية بما يقلب الحقائق ، ويلبس الحق بالباطل" . ويعلق د. عمارة على كلام رشيد رضا بقوله " هكذا كتب الشيخ محمد رشيد رضا في "المنار" 1929م منبها على المخطط الدولي للصهيونية ولافتا الأنظار إلى خطورة اليهود ونفوذهم المالي والإعلامي على العرب والمسلمين كما لفت الأنظار إلى هذا التحالف " الغربي الصهيوني" ضد العرب والمسلمين... إنه تحليل فكري وسياسي وحضاري كتبه الشيخ رشيد رضا منذ ما يقرب من ثمانين عاما وفيه من الوعي الكاشف عن حقائق المخطط الصهيوني ما يدركه القارئ العربي والمسلم في هذه اللحظات". ومن إسهامات رشيد رضا أيضاً في القضية الفلسطينية وصد العدوان الصهيوني، مساندته ودفاعه ومشاركته في عقد مؤتمر بيت المقدس سنة 1931م، لتعزيز مركز فلسطين تجاه مطامع اليهود ومحاباة الدولة البريطانية لهم، ولتقوية مركز المجلس الإسلامي الشرعي فيها، وكان الداعي له سماحة الحاج محمد أمين الحسيني مفتى فلسطين، والذي كان من تلاميذ مدرسة الدعوة والإرشاد التي أنشأها رشيد رضا في القاهرة. بقي أن نشير إلي سبق رشيد رضا لإدراك وجود أبعاد دينية مسيحية خلف المساندة والدعم البريطاني لإسرائيل والمشروع الصهيوني، وقد كرر هذا كثيراً في مقالاته مثل قوله في مقال نشره في المنار بتاريخ يونيو 1922م " الدولة البريطانية الطامعة في البلاد العربية من مصر إلى منتهى ساحل خليج فارس تهتم بأرض البلاد المقدسة ( فلسطين ) ما لا تهتم ببقعة أخرى من البلاد العربية لأسباب دينية ، وأدبية ، وتاريخية ، ومالية ، وجغرافية وحربية" ونجد صدى هذا الوعي بالخلفيات الدينية لتأييد بريطانيا وأمريكا لإسرائيل عند تلميذه الحاج أمين الحسيني، كما في إجابته على سؤال " هل تعتقدون أن بالإمكان حمل بريطانيا بالوسائل السياسية وبالدعاية على العدول عن سياستها الاستعمارية واليهودية في فلسطين والبلاد العربية؟"  فأجاب الحسيني " أما عدول انجلترا عن مناصرتها للصهيونية فهو بعيد لأسباب كثيرة أهمها ما يأتى: أ- التأثير الروحي الديني للتوارة " العهد القديم" على البروتستانت..." وذلك في مقابلات صحفية منتصف الخمسينات جمعتها ونشرتها الهيئة العربية العليا لفلسطين سنة 1957م. والملفت للنظر أن هذا الوعي بدور العقيدة البروتستانتية لم يتضح لنا إلا في ثمانينات القرن الماضي مع مجيء الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، ودور تيار المسيحي المحافظ والذي أصبح المؤثر الأكبر في أمريكا منذ ذلك الوقت ولعله وصل الذروة مع الرئيس السابق بوش، فالكثير من جيلنا لم يتعرف على دور العقيدة البروتستانتية في دعم إسرائيل إلا عبر كتاب يوسف الحسن " البعد الديني للسياسة الأمريكية " وترجمة كتاب الكاتبة الأمريكية غريس هالسل " النبوءة والسياسة" والتي وصلت للإسلاميين من خلال المحاضرة المشهورة للشيخ سفر الحوالي " الوعد الحق والوعد المفترى " وذلك في سنة 1990م، وهذا يدل على خلل كبير في التواصل بين الأجيال وإكمال المسيرة بدلاً من البداية دوماً من نقطة البداية، مما يجعلنا لا نراكم المعرفة والانجازات، ولعل هذه الظاهرة من أسباب استمرار تخلفنا وضياع بوصلتنا وتستحق المزيد من البحث والدراسة.