"رجل لكل الغزاة"

الرابط المختصر
Image
"رجل لكل الغزاة"

"رجل لكل الغزاة" هو اسم الرواية الرائعة الجديدة للمبدع د. عماد زكي صاحب الروايتين "دموع على سفوح المجد" و"البحث عن امرأة مفقودة"، وتأتي هذه الرواية بعد انقطاع لعقدين تقريبا، صدرت الرواية عن دار القلم في دمشق هذا العام 2014، وجاءت في 500 صفحة من القطع الكبير. أما شخصية الرواية المركزية فهو الشيخ المجاهد عز الدين القسام رحمه الله، والرواية جاءت في توقيت مناسب تماماً، فهي تسجل سيرة وجهاد القسام ورفاقه، وتكشف عن جانب مهم في تاريخ جهاد الشعب الفلسطيني وجهاد كافة المسلمين معه ضد الاحتلال البريطاني والاستيطان الصهيوني. هذا التاريخ الجهادي الوطني المشرق والذي يكاد يُنسى بسبب عدم تدوينه من جهة، وبسبب السياسات المحكمة والدقيقة العربية والعالمية لصرف الشباب عن هؤلاء القدوات النموذجية والمعبرة عن هوية وتاريخ وإرث أهلنا وأرضنا وديننا، إلى قدوات وافدة تافهة تائهة عبر برامج المواهب الخائبة والمستنسخة من أعدائنا. وفي الوقت الذي تصرف فيه الملايين على هذه البرامج المسرطنة للأخلاق والقيم، والتي يتناقل الناس معلومات مفادها أن صاحب فكرتها يهودي يقصد من خلالها تشتيت شباب الإسلام والعرب عن قضيتهم، نجد الشباب الصهيوني في كل أنحاء العالم تقام له برامج للتعرف على أرض الأحلام (إسرائيل) فيأتون أفواجاً من أقطار الأرض ليقوموا برحلات مشي على الأقدام تكاد تشمل كل أنحاء فلسطين، لزرع الولاء والانتماء لأرض (إسرائيل)، وهذا سبب تجذر قوة اللوبيات الإسرائيلية في كثير من دول الغرب، فقادة وأعضاء هذه اللوبيات أصلاً صهاينة الولاء. من هنا جاءت هذه الرواية لتشارك في بث الوعي بحقيقة القضية الفلسطينية وأنها قضية إسلامية أولاً، تهم كل مسلم مهما كان موطنه وبلده، ليس هذا خاصا بفلسطين، بل بكل أرض مسلمة، فالقسام قبل أن يجاهد في فلسطين، كان مجاهداً في الجيش العثماني، وهناك تعرف على ابن منطقة جنين الشيخ فرحان السعدي، الذي سيكون رفيق دربه في الجهاد في فلسطين لاحقاً، ثم سعى القسام للجهاد في ليبيا ضد الاحتلال الإيطالي ولكن لم يتيسر له الوصول لليبيا، ثم لما جاء الفرنسيون لسوريا هبّ مجاهداً ضدهم، حتى عجز عن هزيمتهم وخشي أن يكون جهاده سببا للدمار والنكال بأهلها دون نتيجة، فرفض الاستسلام، وآثر الهجرة لفلسطين انتظاراً لفرصة أفضل، وسبب اختيار فلسطين كونها كانت واقعة تحت احتلال بريطانيا وليس فرنسا كحال لبنان، وحتى يكون قريباً من سوريا. وفي حيفا بدأ القسام يمارس دوره المركزي والأساسي وهو التعليم والدعوة والإرشاد، وهو يشمل الأمور الشرعية كالإمامة والخطابة والوعظ، وعمل في التدريس والتعليم في مدرسة البرج للبنات التابعة لجمعية حيفا الإسلامية، وفي ذلك الزمان يدلك هذا على سعة أفق الشيخ القسام خريج الأزهر، ثم أقام دروسا ليلية لمحو الأمية في بيته للعمال في الميناء حتى تتحسن أحوالهم المهنية. وقد كان الدور التعليمي والتربوي للقسام الأساس في قيام حركته الجهادية، فبالوعي والعلم بث روح اليقظة في الناس، وعلى أساس العلم والتربية اختار جنوده. للأسف فإن كثيرا من شباب ورجال اليوم يظن أن جهاد القسام اقتصر على اشتباكات محدودة في أحراش يعبَد، بين القسام ورفاقه وقوات الإنجليز، أسفرت عن استشهاد القسام، للأسف يجهل هؤلاء أن دم القسام كان فتيل اشتعال الثورة في فلسطين سنة 1936م على يد جنوده ورفاقه الذين دربهم ورباهم، وهي الثورة التي استجاب لها عموم الشعب الفلسطيني. وقد تكاتف مع جهاد القسام التعليمي والعسكري ثلة من خيرة الناس ووجهائهم في فلسطين والشام، منهم الأديب الدمشقي المشهور عز الدين التنوخي، والشيخ كامل القصاب الذي كان شريك القسام في التخطيط والإعداد والتمويل، والشيخ محمد مراد مفتي حيفا، والأستاذ رشيد الحاج إبراهيم والشيخ كامل من جمعية حيفا الإسلامية ومفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني. حين تطالع الرواية تعيش زمن القسام لإبداع المؤلف حيث تكاد تسمع القسام يهدر على منبر مسجد الاستقلال بحيفا، أو كأنك تسير في جنازة عطا الزير وفؤاد حجازي ومحمد جمجوم الذين كانوا من رواد مسجد الاستقلال الذي يخطب فيه القسام، وقد رثاهم الشاعر نوح إبراهيم في قصيدته المشهورة التي مطلعها: من سجن عكا وطلعت جنازة              محمد جمجوم وفؤاد حجازي وهكذا تمضي بك الرواية حتى كأنك تطالع فيلما عن القسام ورفاقه وتشارك الفلسطينيين في جهادهم. وحين تتأمل في تاريخ وواقع القضية الفلسطينية تشعر وكأن الزمان لا يتحرك، فلا يزال التوسع الصهيوني قائما في فلسطين لليوم بتسمين المستوطنات أو بالجديد منها، ولا يزال اليهود والمستعمر يكافحون المقاومة والجهاد بالعملاء والخونة من أبنائنا، ولا تزال قوى الغرب تحمى إسرائيل كلما رددنا اعتداءاتها علينا، وتقف متفرجة كلما اعتدت إسرائيل علينا!! لكن الذي تغير منذ زمن القسام ولليوم أن قطاعات كبيرة من الشعب الفلسطيني والعربي والإسلامي نضجت فيها أثر دعوة القسام، فمضت تتمسك أولاً بدينها بعيداً عن الشرك والخرافة التي حاربها القسام، وألف كتاباً، هو والشيخ كامل القصاب لذلك، وتحارب الجهل ثانياً، وتعد العدة المناسبة ثالثاً، ولكن لا تزال الطريق طويلة ومليئة بالعقبات. لقد بذل صاحب الرواية جهودا ضخمة جداً في جمع شتات تاريخ القسام المبعثر، وذلك عبر متابعة وفحص كل شيء كان له تعلق بالقسام ولو بشكل غير مباشر، ومن هذا الشتات كوّن صورة متكاملة، ثم صنع حبكة روائية بث فيها هذه التفاصيل والمعلومات، وجعل في ثناياها خلاصة خبرة وتجارب القسام، لتكون نبراساً وسراجاً لشباب اليوم، فيعرف حقيقة قضية فلسطين، ويطّلع على ما قدمه الأجداد لقضية فلسطين، ويفهم الدروس والعبر التي توصلوا إليها فيكمل الطريق على بصيرة ونور. أنصح كل القراء الأعزاء بقراءة الرواية وحث أبنائهم وبناتهم على قراءتها، فإنهم لن يندموا على ذلك أبداً، وذلك لأسلوبها المشوق الذي يساعد شبابنا على إكمال القراءة، ولتشكيل الوعي المطلوب لديهم حول قضية فلسطين والمفقود مع الأسف غالباً.