عقيدة التوحيد جوهر حضارة الصحابة

الرابط المختصر
Image
عقيدة التوحيد جوهر حضارة الصحابة

يتفق الباحثون على أن الحضارة التي أسسها المسلمون من عهد الصحابة رضوان الله عليهم ارتكزت على الدين وخصوصاً عقيدة التوحيد، فالشيخ محمد الفاضل ابن العلامة التونسي الطاهر بن عاشور صاحب التفسير يقول في بحثه (روح الحضارة الإسلامية): "فهذه التي نسميها الحضارة الإسلامية أو تلك التي نسميها الثقافة الإسلامية، إنما هي سلاسل من الأحداث والأوضاع والكيفيات الاجتماعية والذهنية، كان الإسلام مبدأ نشأتها وسبب تكوينها"، ولذلك فهو يوافق ويعظم رؤية ابن خلدون في "جعل شئون السياسة والعمران والصناعة والعلم في الدولة الإسلامية تبعاً لشأن الدين، وجعل الحقيقة الأولى للدين التي هي العقيدة الفردية أصلا وأساساً لذلك كله"، وقد لخص محمد الفاضل النتيجة التي توصل إليها ابن خلدون بأن "حالة الحضارة والثقافة في عهد الخلفاء الراشدين غير حالة الحضارة والثقافة في آخر العهد العباسي وإن كانت المظاهر أقوى والأعداد أكثر، فإن العبرة بالروح المنتمية،.. فحضارة الإسلام المعتد بها هي الصورة اليقظة الفكرية والهمة الإنشائية التي تولدت من حرارة إيمان المسلمين في الأجيال الأولى، فمكنتهم من أن يخرجوا عن المحيط الإقليمي إلى المحيط العالمي". أما الدكتور إسماعيل الفاروقي وزوجته لويس لمياء الفاروقي فيصفان كتابهما "أطلس الحضارة الإسلامية" بأنه "أول تطبيق للطريقة الظاهراتية في دراسة الإسلام وحضارته بوجه عام.. إلى تعريف جوهر الحضارة الإسلامية أو التوحيد وهو لب المبادئ وأولها". ومن ثم أفردا فصلاً خاصاً لجوهر الحضارة الإسلامية، لبيان أن جوهر الإسلام هو التوحيد، وجوهر التوحيد هو "التوكيد أن الله هو الخالق الواحد المطلق المتعال، ورب الكائنات جميعها وسيدها"، وأن "التوحيد هو ذلك المبدأ الذي يمنح الحضارة الإسلامية هويتها ويربط جميع مكوناتها معاً". أما عن سبب مركزية عقيدة التوحيد في الحضارة الإسلامية فلأنها تقدم رؤية عامة تفسر العالم كما يقول "أطلس الحضارة الإسلامية"، حيث أن التوحيد نظرة عامة إلى الواقع والعالم والزمان والمكان والتاريخ البشري، وهي تقوم على ثلاثة مبادئ: 1- ثنائية الواقع بين الخالق والمخلوق، في المرتبة الأولى لا يوجد سوى خالق واحد لا أكثر "قل هو الله أحد"، ليس له مثيل ولا شبيه " ولم يكن له كفوا أحد"، الباقي والقادر على كل شيء "الحي القيوم". وفي المرتبة الثانية يوجد المكان والزمان والخبرة والخليقة، وهي تضم سائر الموجودات والأشياء من بشر وحيوان ونبات وجمادات وجن وملائكة والجنة والنار والسماء والأرض وغيرها، مما قد لا نعلمه. والمرتبتان مختلفتان غاية الاختلاف من حيث طبيعة وجودهما ومساراتهما ويستحيل أن يتقاطعا ويصبح أحدهما جزءا من الآخر. 2- العلاقة بين الخالق والإنسان هي علاقة إدراك، فالإنسان لديه القدرة على تلقي وفهم إرادة الله الخالق المباشرة من خلال الوحي الذي ينزل على الرسل والأنبياء، أو من خلال فهم سنن الله وقوانينه المبثوثة في الخليقة من خلال الملاحظة والتجربة. 3- طبيعة الكون غائية، لها غاية وهدف، فلم يكن هذا الخلق عبثاً ولهواً "ربنا ما خلقت هذا باطلاً"، فالعالم منظم وليس فوضى. هذه المبادئ الثلاثة لعقيدة التوحيد جعلت الصحابة/ المسلمين يتحررون من سطوة وسيطرة طغيان كل الآلهة الزائفة، مثل الأحجار أو الكواكب أو الأشخاص أو غيرها، فبطلت العوائق  أمام العقول فبحثت عن الحق والتزمته، كما أنها نبذت الظلم والطغيان باسم إرادة الآلهة الزائفة من الكهنة والعرافين أو الذين يزعمون سريان الدماء الزرقاء الإلهية في عروقهم كما كان شأن ملوك الرومان، فدخلت الأمم والشعوب في الإسلام أفواجاً.   ولا زالت الآلهة الزائفة تكبل الحرية والعقول، فها هي الهند التي تؤمن بعبادة الحيوانات كالبقر والفئران، يعيش مئات الملايين فيها بوصفهم طبقة العبيد الأنجاس الذين لا يستحقون أي كرامة أو فضيلة ويعيشون في مهانة عظيمة لدرجة أن روث البقر يُحترم أكثر منهم، برغم أن الهند تعد من القوى الدولية الصاعدة بما تشهده من تقدم تكنولوجي واقتصادي!!.   وبعد أن حررت عقيدة التوحيد الناس من العبودية الزائفة لأمثالهم من المخلوقات، أوقفت الناس أمام مسؤولياتهم الفردية والجماعية، بما ميزهم الله عز وجل من تلقي الوحي والقدرة على استثمار غايات وأهداف وجود الأشياء الأخرى، فأرشدتهم عقيدة التوحيد لعمارة دنياهم وإصلاح آخرتهم بعبادة الله عزوجل وعمارة الأرض بحسب شريعة/ قانون الخالق! ولذلك أزدهرت العلوم والاختراعات بين الصحابة/ المسلمين، وأشرق فجر جديد على تاريخ البشرية، تزاوج فيه العدل مع السعادة والتقدم. ولذلك عبر التاريخ البشري "وجدنا كافة الفراعنة قديماً وحديثاً تحارب الدين، لأنه يمنع البشر أن يكونوا عبيداً لأحد سوى الخالق" كما يقول د. نعمان السامرائى، وهذا هو سبب الخوف من الإسلام اليوم من قبل أعدائه!!